ما زال العديد من الفرنسيين يعتبرون أن فرنسا هي ” الأم الحنون ” للبنان، ومن هذا المنطلق هرول ايمانويل ماكرون إلى لبنان ” لانقاذه ” بعد انفجار المرفأ حاملاً معه تهديدات ووعوداً ليس بإمكانه تنفيذها، ليطلب من المسؤولين اللبنانيين الذين كانوا سبباً في تدمير لبنان اقتصادياً وسلب أموال شعبه مشترطاً تشكيل حكومة إنقاذ ” مهمة ” لمساعدته بعد ذلك في تعويم اقتصاده من أموال الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
وخطأ ماكرون (مبعوث ترامب ) أنه تعامل مع ” كل ” اللبنانيين بأسلوب المندوب السامي، وربما كان هذا الاسلوب مناسباً لدى الذين استفادوا من الهبات السياسية والطائفية والمالية التي وهبها لهم أجداده ، لكن موازين القوى تغيرت، ولم يحسب ماكرون حساباً للقوى الصاعدة التي يمكنها أن تقول له ” لا ” حتى ولو ميَّز هذه القوى ظاهرياً بلقاءات اعتبارية كما فعل مع ممثل ( حزب الله ) لكن هذه الالتفاتة لم تترجم على ارض الواقع، بدليل انه انحى باللائمة على الحزب في عرقلة تشكيل الحكومة.
وبطبيعة الحال فإن مبادرته العمومية كانت حمَّالة أوجه بحيث يستطيع كل طرف قراءتها، وهذا ما حدث بعد أن تلقفها ما يسمى ب ( نادي رؤساء الوزراء السابقين ) الذين كانوا السبب في تدمير لبنان، لتشكيل حكومة تقنية مصغرة يسمون الوزراء كما يشاؤون لإنتاج حكومة مواجهة مع قوى المقاومة، وهذا ما يريده السيد الأميركي واتباعه العربان الذين يسعون جاهدين لإبعاد حزب الله من أي حكومة لأن مهمتها ستكون ترسيم الحدود وبيع القطاع العام مقابل المليارات الموعودة سواء كانت من الدول المانحة أو صندوق النقد الدولي، لذلك جاءت الطعنة الأولى من ترامب الذي فرض عقوبات على وزراء سابقين وبعض المؤسسات المؤيدة لحزب الله على أن يكمل تلك العقوبات بقائمة اخرى يعتقد أنها تخنق المقاومة، بينما هي في حقيقة الأمر تخنق كل الشعب اللبناني ما عدا الذين تمكنوا من تهريب أموالهم القذرة في وقت يعاني فيه اللبنانيون من أعظم كارثة اقتصادية في تاريخه وهكذا انتهت المهلة التي حددها ماكرون ولم تشكل أي حكومة لأن اللاعبين فيها كانوا يلعبون بالبيضة والحجر.
ولأن ماكرون ( صهر آل روتشيلد ) أدرك أن مهمته فشلت، صب جام غضبه على حزب الله معتبراً إياه معرقلاً لمهمته التي كان يأمل ان تحجز له مكاناً على رصيف شرق المتوسط.
واذا كان قد أعطى المسؤولين اللبنانيين ستة أشهر أخرى فإنه أعطى لنفسه هذه المهلة بعد الانتخابات الأميركية، ومع ذلك فإن أي مهلة طالت أم قصرت لن تؤدي إلى أي نتيجة طالما أن الذهنية الفرنسية الاستعلائية ستبقى على حالها، وأي حكومة لن تتشكل إلا بوجود حزب الله وبقوة مع استحقاقات ومنعطفات كبيرة سيشهدها لبنان وستكون ” الجحيم ” الذي حذر منه الرئيس عون مجرد نزهة، إضافة إلى ضرورة حماية ظهر المقاومة.
ولهذا رد سيد المقاومة على ادعاءات ماكرون بهدوئه المعتاد وصدقيته على ماكرون ليس لمجرد الرد فهو لا يحتاج لذلك، وإنما ليرسم له خارطة طريق جديدة ربما ستساعد إذا أراد في التعامل مع لبنان بندية وليس بفوقية استعراضية كما فعل، والأسوأ الذي يلوح به لن يتحقق طالما أن الشرق مفتوح للبنان في جميع المجالات.
إن غداً لناظره قريب
معاً على الطريق- عبد الحميد دشتي