مسرح.. وتشكيل.. وموسيقا

قبيل نهاية عام 2008، استضاف المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق اللقاء الثامن لمدارس المسرح في حوض البحر الأبيض المتوسط، فطلبت الدكتورة حنان قصاب حسن (عميدة المعهد حينذاك) من مدرسي المعهد إعداد أوراق عمل عن تجربتهم في تدريس موادهم، واستنتاجاتهم حولها، فقمت حينها بتقديم ورقة عمل بعنوان (تدريس الفن التشكيلي لطلاب المسرح) أتوقف فيما يلي عند أهم نقاطها.

من بعض الظواهر المهمة في عالم الإبداع اليوم أنه في حين تزداد الاختصاصات الفنية تخصصاً، وتدخل في المزيد من التفاصيل الدقيقة، فإن ظاهرة التقاء أجناس مختلفة من الفنون في عمل واحد تتنامى أكثر فأكثر. حيث نشهد باستمرار المزيد من العروض البصرية السمعية التي تقدَّم تارة بوصفها أعمالاً مسرحية، وتارة ثانية على أنها أعمالٌ موسيقية، ومرة ثالثة باعتبارها أعمالاً تشكيلية. في ظل هذا الواقع لم يعد تدريس بعض المواد الفنية (كالموسيقا والفن التشكيلي) لطلبة المسرح استكمالاً للثقافة الفنية العامة فحسب، بل أصبح جزءاً أصيلاً من المادة المسرحية التي ينبغي تزويدهم بها، وخاصة ما يرتبط منها بالمسرح وببعض التجارب المفصلية فيه. غير أن هذه الضرورة تتحول في الواقع السوري (وفي معظم البلاد العربية) إلى طموح تَحولُ دون تحقيقه عدة عقبات تقف في مقدمتها المستوى الثقافي الفني للطلاب الجدد المنتسبين للتو إلى المعهد المسرحي. ففي الفن التشكيلي تسهم عدة عوامل في إنتاج مستوى ثقافي ضعيف لطلاب مرحلة ما قبل التعليم الجامعي تبدأ من ضعف الاهتمام الاجتماعي العام بالفنون التشكيلية عامة، ونظرة الريبة إلى بعض أنواعه (كالتصوير الواقعي والنحت). فإلى يومنا هذا – ورغم الأهمية الكبيرة لكثير من تجارب الفن التشكيلي المعاصر وغنى أصوله التاريخية- فإن علاقته مع محيطه الاجتماعي لا تتعدى شريحة صغيرة للغاية من المثقفين المتنورين.

وإذا كانت بعض المفاهيم الملتبسة والغامضة تشجع على تخلي الأسرة عن دورها التثقيفي في هذا المجال، فإن التقاليد الاجتماعية والثقافية تزيد من ترسيخ الحال. في حين لا تشكل المناهج التعليمية في مراحل التعليم ما قبل الجامعي بديلاً من هذا الواقع ولا حلاً لما نتج عنه. فدروس التربية الفنية في السنوات الدراسية الأولى هي في أحسن الأحوال دروس لتعليم المهارات اليدوية لا أكثر، وفي حالات كثيرة تعامل كساعات فراغ لمواد ينظر إليها على أنها أكثر أهمية. أما في السنوات التالية فإن دروس التربية الفنية تغيب كلياً عن المناهج الدراسية. فإذا كان البيت والمدرسة – وهما أساس تكوين الشخصية الثقافية والمعرفية – لا يؤديان ما يحتاجه تكوين المعرفة الفنية، فكيف ستستطيع ذلك باقي الهيئات كالمؤسسات الثقافية والإعلامية؟.. ويضاف إلى ما سبق المشهد البصري اليومي الذي تلتقطه العين في الشوارع والأسواق وعلى شاشات التلفزيون، والذي لا يتناسب إطلاقاً مع المستوى المتقدم للفن التشكيلي في بلادنا.

وعلى ما سبق فإن طموح المعهد العالي للفنون المسرحية في الارتقاء بمناهجه التدريسية إلى ما يتيح تعرف الطالب على أحدث اتجاهات وتجارب الفن التشكيلي، وخاصة تلك التي تجمعه مع فنون ثانية كما في العروض السمعية – البصرية، يتقلص إلى حد الاكتفاء بمحو الأمية الفنية للوافدين إليه حديثاً. وتشير التجربة العملية إلى أنه في الحالات القليلة النادرة التي وجد فيها بين دفعات الطلاب الجدد من يمتلك مستوىً مقبولاً من الثقافة التشكيلية بسبب عائلة متنورة، أو اهتمام شخصي، فإن ذلك لم يشكل – في أغلب الحالات – حافزاً للآخرين، وإنما على العكس من ذلك تماماً فإنه كثيراً ما شكّل عامل إحباط لباقي الطلاب، أو ربما ولّد إحساساً لدى الطالب المتميز بقلة أهمية ما يحصل عليه في المعهد، وهذا يعني أنه لا يكفي التعويل على الجهد الشخصي للطالب من أجل ردم الهوة بين ما يعرف، وما يجب أن يعرف.

شهد عام 2002 تجربة في قسم التمثيل لتجسير تاريخ الفن التشكيلي مع تجلياته الراهنة من أجل تجاوز ذلك الحال، بحيث تخصص مادة تاريخ الفن في السنة الدراسية الأولى للماضي وفي السنة الثانية للتجارب المعاصرة وتطبيقاتها في المسرح والعروض السمعية – البصرية. غير أن الحيز المخصص للمادة في المنهاج الدراسي لم يتح نجاح هذه التجربة. ولم تكن سنة دراسية واحدة كافية بحال من الأحوال لتناول ما هو أساسي ومفصلي في تاريخ الفن، وكذلك العمارة التي يمتلك التعريف بتاريخها أهمية خاصة في معهد مسرحي، على الأقل بحكم كونها حاضنة الفنون جميعاً.

يجعل الأمر أكثر صعوبة اتساع وقت الدروس العملية كما يتطلب الأمر في قسمي التـمثيل والرقص، أو ضيق الوقت المخصص لساعات التدريس قياساً لوفرة عدد المواد، كما هو الحال في قسم الدراسات المسرحية (النقد)، والذي دعت طبيعته ومهامه عام 2007 إلى طرح فكرة تدريس مادة الفن التشكيلي فيه لمدة سنتين بدلاً من سنة واحدة، علماً أنها كانت مادة حديثة العهد – نسبياً – في منهاجه التدريسي! لكن هذا الأمر لم يحصل حتى اليوم. أما في قسم التصميم (السينوغرافيا) فقد أتاحت طبيعته تقسيم المادة إلى اثنتين تختص الثانية منهما بالطرز المعمارية ما وفر إمكانية تدريس مادة تاريخ الفن في سنتين دراسيتين بدل ثلاث كما كان الحال عليه حين تأسيس القسم. وهذا الأمر ينطبق إلى حد كبير على قسم التقنيات.

إن هذا الواقع، الذي ينطبق بشكل ما على كلية الفنون الجميلة، يعيدنا إلى أساس المشكلة الذي هو خارج جدران المعهد والكلية.

إضاءات- سعد القاسم

آخر الأخبار
بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد هويتنا البصرية عنوان السيادة والكرامة والاستقلال لمستقبل سورية الجديدة