الثورة أون لاين – سلوى الديب :
تجلى التضامن العربي في أبهى صوره خلال حرب تشرين التحريرية، من كافة شرائح المجتمع و مستوياته الفكرية في الوطن العربي، فكان للأدباء كما الجنود بصمة لا تنسى، بقيت راسخة حتى الآن ليعلو صوت من تونس للشاعر عماد الدسن التونسي حتى بعد مضي 47 عاماً ليقول: أبوح بهمس القريض فأنا إنسان من أمة تاريخها نصفه مشرقي والأخر مغربي، أما بالنسبة للنصف المشرقي فأغلبه دمشقي فكيف لا أواليهم، وكيف لا أعتز بواليهم، فحبي للشام عتّقٌ من كل الآلام وولهي بتاريخها نحت لما تبقى من شرف أمة، اغتصبتْ مازال مدلول عفتها بين حمص و اللاذقية مصان، إن حرفي منذ منشئي يرسمني من أمي لأختي لابنتي والحمقى من يحلمون بعزل سورية، هم من فقدوا ما تحتفظ به قلب الخرائط أي دمشق إن تشرين عزة للأعزاء عار على وجه التفهاء، ويضيف: أنا الشطر المغربي أي تونس فهي منذ الأمد امتداد لكم جناح بكم تبقى وتتواصل بالحكاية بين تونس ودمشق ،فالحكاية بين تونس ودمشق رسمها الأجداد لونها الأولاد ليتلوها الأحفاد، وإن عشقي وحبي لأرض الشام منذ زمن.
من قصيدته نَفَحَاتٌ مِنْ شَذَى تِشْرِينَ:
شَذَى تِشْرِينَ يَا فَتْحًا تَوَالَى بِرَوْضِ الشَّآمِ يَنْثَالُ اِنْثِيَــــــــالًا
فَأًنْتَ السِّفْرُ فِي عُنْوَانِ شَرْقِي وَبِالْأَمْجَادِ قَدْ نِلْتَ الْجَــــــــــلَالَا
بِصَدْرِي أُغْنِيَاتٌ فَوْحُ مِسْكٍ وَبِالْأَحْرَارِ كَمْ زَادَتْ جَمـــــــَالًا
فَجُنْدُ الْعَزْمِ كَالْإِعْصَارِ هَبُّوا لِأَجْلِ الْعِرْضِ كَمْ عَشَقُوا النِّضَالَا
شُمُوعٌ أَوْمَضَتْ فِي لَيْلِ عُرْبِ كَمِثْلِ الشُّهْبِ تَخْتَالُ اِخْتِيَــــــــالًا
بِهَمْسٍ ثَائِرٍ طَافُوا مُرُوجًا لِيَأْسُرَنَا الْحَدِيثُ بِهِمْ سِجَــــــــالًا
كَهَطْلٍ مِنْ سَلِيلِ النَّسْلِ هَلُّوا سُقَاةَ الْفَخْرِ قَدْ رَبِحُوا النِّــــــــزَالَا
دُرُوعٌ مِنْ شُعَاعٍ فِي سَمَاءٍ تُضِيءُ الْعَتْمَ نُنْشِدُهَا اِبْتِهَــــــــالَا
تُعِيدُ الْمَجْدَ بِالرَّايَاتِ عِزًّا تُقَاتِلُ شَرِّ صُهْيُونٍ قِتـــــــــــــَالَا
فَفِي تِشْرِينَ مَوَّالُ اِنْتِصَارٍ عَلَى أَوْتَارِ عِشْقِ الْأَرْضِ غَــــالَى
إِلى الْفِرْدَوْسِ زَفَّيْنَا شَهِيـــدًا كَوَجْهِ الْبَدْرِ يَكْتَمِلُ اِكْتِمَــــــــالًا
وَفَجْرُ النَّصْرِ نَورٌ قَدْ تَـــلَالَا بِأُفْقِ الشَّآمِ نَرْسُمُهُ هِـــــــــــلَالَا
أَرَى الْأَحْدَاثَ تُزْهِرُ بِالْحَكَايَا نِدَاءَاتٍ بِهَا التَّارِيخُ سَــــــــــالَا
أما الشاعر إبراهيم الهاشم فتناول هذه المرحلة قائلاً: الحروب عادة هي منعطفات تاريخية بالغة الأهمية في حياة الشعوب ومحطات فائقة الأثر في مسيرة الدول، فكيف إذا كانت الحرب كحرب تشرين التحريرية المجيدة، هذه الحرب التي شهدتُ إرهاصاتها شموس حزيرانات بغيضة محرقة ..وتخللت أجواءها سموم الانكسارات التي عاشتها امتنا في تاريخها الحديث، ووقفت أمامها جبال اليأس التي صنعها العدو وداعموه، ومن بين ركام الخرائب النفسية ودمار الهزيمة، خرجت زنابق تشرين لتوزع الأمل والضياء على التراب الحزين عمل الرجال الموكلون بمحو هزيمة حزيران وعلى رأسهم القائد الراحل حافظ الأسد، ووصلوا الليل بالنهار فكانت حرب تشرين التي غسلت عار الانكسارات، وأشعلت قناديل النصر والأمل في ليالي شعبنا وأمتنا. كانت حرب تشرين مطر الحياة المتدفق في أرضنا على وقع أقدام أبطالنا البواسل فوق تربة الجولان، المطر الذي بعث الحياة في كل شيء، فكان من الطبيعي أن يزهر الأدب وتتوهج مصابيحه، وتجري جداوله، وتصبح قصص الأدباء وقصائد الشعراء، ألحانا لتلك الجداول، ولكن كيف للأدب أن يرتقي إلى مكانة الشهداء والى تلك الذروة العالية من مكانة البطولة؟؟ لقد كتب الكثير من الكتاب والشعراء عن حرب تشرين، وتغنوا بأمجادها وتضحيات رجالها، وستبقى هذه الحرب فضاء للكرامة لا تحده حدود ونهراً لصدق المشاعر لا تعيقه سدود، فضاء يقف الأدب خاشعاً في محرابه، ويكبر الشعر عندما يقف على أعتابه .
وقد استوحيت من تشرين :
عطرت باسمك خافقي ولساني يا قبلة الكلمات عند بيـــاني
يا ضوعة الحرف الطهور تهزه عند التهجد كبريات ومعاني
للشمس تحلم بالوصول قصيدتي للصابرين بحومة المـــــيدان
في أحرفي لون المحبة شاهد والشوق يظهر في مدار لساني
آتيك والشعر الكليل مكبل والقلب أومن سرعة الخفقـــــان
ماذا أقدم يا بواسل أمتي والحرف يصغر في مطال بناني
أما الإعلامي الشاعر عبد الكريم الناعم فيقول في هذه المناسبة: في ذكرى حرب تشرين التحريرية أستحضر تلك الجرأة والحكمة التي امتلكها قائد التشرينين وهي أول حرب يخطط لها العرب في العصر الحديث ويواجهون إسرائيل ولو أن السادات لم يخن ما تم الاتفاق عليه لكان لهذه الحرب نتائج غيرت وجه المنطقة ومستقبلها كاملاً لأن سورية في الآونة الأخيرة بدأت تواجه منفردة كل غطرسة الجيش الصهيوني ، وصمدت وتمكنت من إيقاف ذلك الزحف وأصرت على صيانة مبدأها وموقفها ولم تفرط في شيء وكان ذلك واضحاً في المفاوضات المنعقدة التي جرت فيما بعد والتي تمسك بها القائد الخالد لأنه لم يتخل عن بضعة أمتار من بحيرة طبرية وذلك هو جوهر الصمود ومعنى التصدي ، وأنا لم أشارك في الحرب لكن ولكن شاركت في الكتابة ونشرت بعض القصائد والنصوص والمقالات وقد كان لنا في تشرين ما أثار عزة أنفسنا ومسح انكسار عام 67، ولا يملك الإنسان إلا أن يقدم أجمل ما تحمل القلوب من امتنان لهؤلاء الأبطال الذين حموا الأرض وصانوا المبدأ من الصمود .
