الأسواق الشعبية في طرطوس.. لم تتمكن من كسر الحلقات الوسيطة والتجار يحضرون بقوة بعد تراجع دور الفلاحين
الثورة أون لاين – تحقيق فادية مجد:
مضت عدة أشهر على انطلاقة تجربة الأسواق الشعبية في مدينة طرطوس، تلك التجربة التي انطلقت بنيات طيبة ورغبة في إيجاد تدخل إيجابي في تلك الأسواق.
ولكن كما تبين لنا أنها تجربة لم تكتمل. إذ اعترضت طريقها مجموعة من العثرات أعاقت استمراريتها طويلاً، ومن هنا يتوجب على الجهات المعنية العمل سريعاً لإعادة انعاشها وإرجاع نبض الحياة لها من جديد، ولا سيما بعد أن تراجعت شعبيتها وانطفأ وهجها الذي كان في البدايات.
في التحقيق التالي استطلعنا آراء بعض المواطنين والباعة في تلك الأسواق الشعبية بمدينة طرطوس حصراً والجهات المشاركة في إقامة هذه الأسواق بهدف وضع يدنا على الثغرات ومعرفة مختلف الآراء ودور كل جهة وغايتنا من كل ذلك إعادة انعاش تلك الأسواق الشعبية ودوام استمراريتها وتحقيق الغاية المقامة من أجلها.
شكوى المواطنين
رأى بعض من التقينا بهم من مواطنين أن أسعار الخضار والفواكه في تلك الأسواق الشعبية لا تختلف عن أسعار مثيلاتها في بقية الأسواق الأخرى وتتفاوت أنواعها بين الجيدة والرديئة.
وأضاف بعضهم الآخر لدى سؤالنا لهم عن سبب زيارتهم لتلك الأسواق بالقول: إننا نزور تلك الأسواق إن كان لنا طريق قريب لها، فنشتري نوعاً من الخضار أو الفواكه.
وأوضحوا أن أسعارها ليست مخفضة كما تم الإعلان عنه، ونوعية المعروضات من الخضار والفواكه مثلها مثل بقية الأسواق، لافتين إلى أن البهرجة الاعلانية التي سبقت الاعلان عن تلك الأسواق الشعبية وتدخلها الايجابي لمصلحة اصحاب الدخل المحدود دامت لأسابيع او لشهر واحد من حيث الأسعار المخفضة والأنواع الجيدة ثم لم نعد نجد بعد ذلك أي شيء يشجع على استمرار قدومنا لتلك الأسواق.
أم أمجد قالت لنا: هناك بعض الخضار أسعارها مرتفعة وليست منخفضة كما تم الاعلان عنه، كما أن هناك أصحاب بعض عربات الخضار هم بائعون وسماسرة في أسواق أخرى وليسوا فلاحين كما ينبغي أن يكونوا يبيعون منتجاتهم من أرضهم.
فيما أشار أبو علي إلى أن تلك الأسواق الشعبية كانت تشهد حركة كثيفة مع بداية افتتاحها، وعربات الخضار في تلك الأسواق الشعبية عامرة بجميع الأنواع
إضافة لمشاركة السورية للتجارة وحضورها الذي جذب الكثيرين لشراء ما تعرضه من سمون وزيوت وأرز ومعلبات ومنظفات بأسعار مخفضة تلبي الاحتياجات المتزايدة لتلك المواد التموينية والتي لا غنى عنها في كل بيت، فكان أغلب مرتادي تلك الأسواق يشترون تلك المواد، إضافة لأنواع من الخضار والفواكه والتي كانت بنوعية جيدة وبأسعار مناسبة للجميع في البدايات، مبيناً عدم توافر تلك المواد في الفترة الأخيرة.
فيما تساءل بعضهم الآخر عن سبب غياب المته عن تلك الأسواق بعد أن كانت متوفرة ولها جمهور كبير من المستهلكين؟!
مع الباعة
من جهتهم الباعة الذين التقينا بهم شرحوا لنا معاناتهم من أجور النقل المرتفعة، والمضطرون لاستئجارها بشكل يومي لنقل منتجاتهم من خضار وفواكه والتي تتراوح أجورها بين ٥٠٠٠ الى ٧٠٠٠ ليرة وذلك من قرى المحافظة التي يأتون منها الى تلك الأسواق، إضافة لغلاء أسعار أكياس النايلون التي يبيعون فيها الخضار والفواكه، حيث وصل سعر الكيلو منها إلى ٣٠٠ ليرة مبينين أنهم خاسرون ولا يحققون أرباحاً ابداً، ولكن هذا الوضع بالنسبة لهم أفضل من جلوسهم في البيت، حيث لا مورد رزق لهم غير منتجاتهم الزراعية وبالكاد يستطيعون تأمين بقية موادهم المعيشية في ظل الغلاء الذي عم كل مناحي الحياة.
أبو محمد فلاح يبيع في تلك الاسواق الشعبية قال إنه يحرص على تقديم بضاعة بنوعية جيدة وبأسعار معقولة، لافتاً الى أن السوق يحتاج إلى دعم وحملة اعلانية فكثير من الاحيان تكسد منتجاتهم المعروضة لقلة الاقبال على تلك الأسواق.
واشتكى لنا أغلب الفلاحين الذين يبيعون من غلاء مستلزمات الإنتاج الزراعي وغياب دور الوحدات الارشادية والجمعيات الفلاحية عن تقديم البذار ومتطلبات زراعتهم ولجوئهم الى الصيدليات الزراعية التي تتحكم بها وتبيعهم المواد بأسعار كاوية، الأمر الذي اضطر أغلبهم لتوقيع سندات والاستدانة لشراء تلك المواد وزراعة محاصيلهم وبيوتهم البلاستيكية والتي هي مصدر عيشهم الوحيد مطالبين بدعمهم حتى يستمروا بالإنتاج وتوفير آليات لنقل منتجاتهم لتلك الأسواق.
دور إشرافي
أمين عام محافظة طرطوس حيدر مرهج ورداً على سؤالنا عن دور محافظة طرطوس في إقامة الأسواق الشعبية أوضح قائلاً: للمحافظة دور إشرافي ورقابي وداعم لتلك الأسواق الشعبية سواء على مستوى مدينة طرطوس أم على مستوى بقية مدن المحافظة وبعض بلدانها، حيث أمنت محافظة طرطوس البنية التحتية لإقامة تلك الأسواق لجهة إيصال المياه والكهرباء مجاناً وبقية الخدمات الأخرى إضافة إلى قيامها بالتوجيه لجميع الجهات المشاركة في إقامة تلك الأسواق الشعبية من اتحاد فلاحي طرطوس وفرع السورية للتجارة ومديرية الصناعة بطرطوس وبقية الجهات المشاركة للعمل على فتح (كولبات) وتقديم منتجاتها المختلفة ليتم تداولها من قبل المواطنين بسعر التكلفة.
إعادة إنعاش
وعن السبل الكفيلة بإعادة إنعاش تلك الأسواق وثقة المواطن من جديد وتحقيق الغاية المقامة لأجلها تلك الأسواق الشعبية أفاد بالقول: إن هذه الأسواق تتأثر بالدورة الانتاجية الزراعية ولا سيما أن محافظة طرطوس هي محافظة زراعية، حيث لدينا فصل للإنتاج وفصل آخر للزراعة وعلى هذا الأساس لا يكون الانتاج دائماً على مدار العام، فتأتينا العروة الربيعية والعروة الخريفية والتي يكون الانتاج فيها متوفراً وبكثرة من الخضار الباكورية وغير ذلك، وفي بقية الدورات التي لا يتوفر الانتاج الزراعي فيها نعول على الانتاج غير الزراعي كالإنتاج الصناعي وما يتم تداوله من قبل السورية للتجارة وبقية معروضات الجهات الأخرى المشاركة في تلك الأسواق، لافتاً أن تلك الأسواق لم تفقد ثقة المواطن فقد بدأت بداية جيدة جداً ولاقت ترحيباً ولكن بسبب أن الإنتاج الزراعي في محافظتنا غير دائم ومن هنا كان التأثر من ناحية عرض هذه المنتجات في الأسواق، مشيراً الى أن إعادة الانتاجية الزراعية من جديد في محافظتنا سوف ترمم وتنعش تلك الاسواق الشعبية من جديد وسوف تستمر بتطبيق شعارها من المنتج إلى المستهلك.
مقترحات لاتحاد الفلاحين
من جهته رئيس اتحاد فلاحي طرطوس محمود ميهوب وحول شكاوى الإخوة الفلاحين المشاركين في تلك الأسواق من غياب دعمهم من قبل الوحدات الارشادية والجمعيات الفلاحية من ناحية توفير مستلزمات إنتاجهم بدل دفعهم للجوء للصيدليات الزراعية وأسعارها الكاوية إضافة لضرورة حل مشكلة ارتفاع أجور نقل منتجاتهم لتلك الأسواق وإنعاش تلك الأسواق من جديد بين أن مهمة الوحدات الارشادية تنحصر بتقديم الخبرات الفنية الارشادية، فيما تقوم الجمعيات الفلاحية بتأمين الأسمدة والبذار والمازوت الزراعي من المصرف الزراعي بشكل دوري وحسب توفر المادة، مقترحاً لإنعاش تلك الاسواق من جديد بالعمل على توفير مستلزمات الانتاج الزراعي وتسمية ممثل للمنظمة الفلاحية في لجنة السوق كون أداء مدير السوق قد انعكس سلباً على الفلاحين المنتجين وسبب انسحاب بعضهم من تلك الأسواق بسبب دخول تجار المفرق ومضاربتهم لهم مع ضرورة العمل على تخصيص الفلاحين المنتجين الذين ينقلون انتاجهم لتلك الأسواق بكميات كافية من المازوت الزراعي لتجنيبهم أجور النقل المرتفعة الثمن.
مع مجلس المدينة
وحول مشاركة مجلس مدينة طرطوس أكد مدير المهن والشؤون الصحية بمجلس مدينة طرطوس المهندس فراس الموعي انه منذ تلقيهم كتاباً بخصوص إقامة أسواق شعبية في مدينة طرطوس قام مجلس مدينة طرطوس مباشرة بتأمين أربعة مواقع لتكون ساحات بيع شعبية للمواطنين هي: سوق الغمقة على ضفة نهر الغمقة الجنوبية على شارع النزهة وسوق البرانية مقابل مشفى الأطفال شرقاً وسوق الرابية على شارع عمر المختار وسوق المنطقة الجنوبية في حي وادي الشاطر.
وقد تم تأمين البنية التحتية لهذه الساحات من تجهيز الأرضية وتأمين الكهرباء والمياه وبسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضها الفريق الحكومي المعني بإجراءات التصدي الفايروس كورونا تم إغلاق الأسواق الشعبية بشكل عام حتى تاريخ ورود كتاب السيد وزير الإدارة المحلية والبيئة نهاية الشهر الرابع من العام الحالي بإعطاء الأهمية لتفعيل ساحات الأسواق الشعبية، حيث تم مباشرة تجهيز الساحات المذكورة وتم وضع مجموعة من الأكشاك في كل سوق تقدمة من غرفة تجارة وصناعة طرطوس وبتوجيه من محافظ طرطوس تم تنفيذ مظلات حماية ضمن هذه الأسواق بالإضافة إلى طاولات عرض للبضائع من تنفيذ مؤسسة الاسكان العسكري مبيناً انه تم صب أرضية بعض الساحات وتسويتها وتأمين دورة مياه في كل سوق وتأمين الكهرباء و عمال نظافة لكل ساحة وتعيين مدير لكل سوق ومعاون مدير، حيث تم التواصل مع اتحاد فلاحي طرطوس واتحاد الحرفيين وغرفة التجارة والصناعة والزراعة ومديرية الصناعة والشركة السورية للتجارة ومجموعة من المنتجين لعرض منتجاتهم وتأمين السيارات اللازمة إلى هذه الأسواق بما يدعم سرعة انسياب المواد من المنتج إلى المستهلك وبدون وسطاء، مع تأمين جميع الخدمات اللازمة بالتعاون أيضاً مع قيادة الشرطة في المحافظة، ومراعاة الشروط الصحية للوقاية من فايروس كورونا.
منوهاً بقيام مجلس مدينة طرطوس وعن طريق مدير كل سوق ببيع مواد مثل الزيت النباتي والسمن مباشرة إلى المستهلك بسعر المعمل المنتج دون حتى تحميل المادة تكاليف النقل حيث وصلت قيمة التخفيض عن سعر السوق بمقدار ٢٥%
وقيام مدير السوق وبشكل يومي بالاطلاع على النشرة التموينية لأسعار البضائع، وتسيير البضائع بأسعار تكون أقل من النشرة التموينية ومنع وجود أي اشغالات عشوائية وغير نظامية أو أي بضائع ليست من الإنتاج المحلي.
وختم الموعي حديثه بالقول: إن حجم البضائع والعرض في تلك الأسواق الشعبية مرتبط بالروزنامة الزراعية والمنتجات الزراعية ومن إنتاج محافظة طرطوس حصراً
وأن مجلس المدينة يعمل حالياً للتواصل المستمر مع مجموعة من المنتجين في المنطقة الصناعية وفي بعض المحلات في المدينة للتوسع في عمل الأسواق وعرض بضائع و مواد جديدة ومتنوعة.
مع مدير الصناعة
وحول دور مديرية صناعة طرطوس ومساهمتها في إقامة الأسواق الشعبية ورؤيتهم لتطويرها واستمراريتها أكد المهندس عمار علي مدير صناعة طرطوس قائلاً: إنه مع بداية عمل الأسواق الشعبية قامت المديرية بمساعدة المدن والبلدات وتلك الاسواق الشعبية لاستلام كميات من الزيت والسمن _ إنتاج معمل الخير _ بالإضافة إلى تواجد المنظفات والألبان والأجبان وبعض المنتجات الأخرى كالحبوب والحلاوة حسب المنشآت المرخصة لدينا، كما قمنا ايضا بإعطاء كافة البلدات التي ترغب بإقامة سوق شعبي عناوين المنشآت الحرفية والصناعية التي يرغبون بإحضار المواد المطلوب عرضها وإعلامهم عن المنشآت القريبة من تلك الأسواق والمرخصة.
ولفت علي الى أن أي سوق شعبي نجاحه مرتبط بمتابعة مجلس المدينة او البلدة المستمرة والدائمة وشرائهم للمواد المطلوبة من الوكلاء للمنتجات التي لا يوجد تصنيع لها في محافظتنا مثل المتة والمحارم وفوط الاطفال وغيرها وذلك بمساعدة مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك وشعبها في مناطق المحافظة.
السورية للتجارة حاضرة
وعن مشاركة السورية للتجارة بطرطوس في الأسواق الشعبية ورداً على سؤالنا عن تساؤلات المواطنين عن غياب الزيت والسمون والمتة والمواد التموينية في الفترة الأخيرة بعد أن كانت موجودة في تلك الأسواق أوضح المهندس يوسف حسن مدير فرع السورية للتجارة بطرطوس أنه تتم المشاركة من قبل السورية للتجارة في الأسواق الشعبية من خلال تأمين تشكيلة واسعة من الخضار والفواكه وبأسعار منافسة بالإضافة إلى المواد التموينية المتوفرة لدينا مثل السكر الحر والسمنة والمياه وغيرها من المواد، وبالنسبة إلى مادة الزيت والمتة أوضح أنه سيتم تزويد الأسواق الشعبية بها فور إرسالها لهم من قبل الادارة العامة.
مع حماية المستهلك
وبخصوص آلية عمل مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بطرطوس في تلك الأسواق ذكر ماهر مرعي رئيس دائرة حماية المستهلك أنه تتم مراقبة عمل الفعاليات التجارية المشاركة ضمن تلك الأسواق الشعبية في مدينة طرطوس بشكل يومي من خلال دوريات القطاع المكلفة بذلك لجهة الاعلان عن الأسعار ومواصفات المواد المعروضة، وفي هذا الاطار تم خلال الفترة الماضية تنظيم ستة ضبوط عدلية بموضوع عدم الاعلان عن الأسعار، بالإضافة إلى ثلاثة ضبوط لعدم وجود بطاقة مواصفات لمادة سائل تنظيف معبأة ضمن علب مياه دريكيش مشيراً إلى أن دورياتهم مستمرة بسحب عينات من المواد الغذائية غير الغذائية وإجراء التحاليل المخبرية عليها ومعرفة مدى مطابقتها للمواصفات القانونية.
وأخيراً
بعد كل تلك الآراء نقول: جهود بذلت ولكن لا بد من إعادة النظر بأمور كثيرة حتى تحقق تلك الأسواق الشعبية الغاية التي وجدت من أجلها.
ومن هنا نؤكد أنه من حق المواطن الحصول على منتج بجودة عالية وبأسعار مخفضة تحقيقاً لشعار تلك الأسواق من المنتج الى المستهلك مباشرة وكسر حلقة الوساطة، كما أنه من حق الفلاح أيضاً الحصول على الدعم الكامل وتأمين آليات لهم لنقل منتجاتهم في ظل ارتفاع اجور النقل والمحروقات وضرورة توفير مستلزمات العملية الانتاجية لفلاحنا بأسعار مقبولة ليمد السوق بحاجتنا من منتجاته الزراعية والحيوانية، وتعيين ممثل لهم في تلك الاسواق مع استمرار الدعم لهذه الاسواق من كافة الجهات المشاركة، إضافة لرفد الأسواق الشعبية بكافة المواد التموينية والغذائية اللازمة للمواطن في حياته المعيشية.
فهل يتحقق ذلك في القريب العاجل وتكون الأسواق الشعبية ملاذاً دائماً لأصحاب الدخل المحدود ومنافسا قوياً في السوق، وفي نفس الوقت مصدر رزق لفلاحينا في تصريف منتجاتهم والذين يعتاشون عليها.