أنظار العالم تتجه اليوم إلى الولايات المتحدة، تترقب إعلان هوية الساكن الجديد للبيت الأبيض، بعد أن وصلت الاستعراضات الانتخابية إلى خواتيمها، وأثارت الاشمئزاز من مستوى الانحطاط السياسي والأخلاقي الذي انحدر إليهما مرشحا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأياً كانت العصابة الجديدة التي ستتولى مقاليد الحكم، فإن نتائج تلك الانتخابات ستدشن مرحلة جديدة في استراتيجية الغطرسة والبلطجة الأميركية تجاه العالم، ولعل الاهتمام الأبرز لا ينصب على معرفة ما ستفرزه صناديق الاقتراع، بقدر ما ستحدثه نتائج التصويت من أعمال فوضى وعنف قد تصل إلى حرب أهلية بحال خسر ترامب الانتخابات حسب المعطيات التي أفرزتها أجواء التناحر السياسي خلال الحملات الانتخابية لكلا المرشحين.
معظم العالم يترقب حصول مثل هذا السيناريو، لعل ذلك يزيح عن كاهله بعضاً من الارتدادات الكارثية للسياسة الأميركية القائمة على نشر الفوضى والحروب، وإمكانية حدوث هذا السيناريو تبقى مرجحة في ظل تأكيدات ترامب في أكثر من مناسبة بأنه لن يقبل نتائج الانتخابات بحال تعرضه للهزيمة، وتشكيكه المتواصل بشرعية ونزاهة عملية الانتخاب عبر الاقتراع البريدي، تشير إلى أنه يسعى بذلك إلى خلق حالة من الفوضى القانونية تمهد له الانقضاض على النتائج بحال خسارته، فضلاً عن أن أنصاره المشحونين بخطاب العنصرية والكراهية يحشدون قواهم في يوم الانتخابات بحسب وسائل الإعلام الأميركية، التي أفادت أيضاً بأن معظم الشركات والمتاجر حصنت مبانيها بألواح خشبية تحسباً لوقوع أعمال عنف، حتى أن البيت الأبيض تم تطويقه بسياج كبير، مع انتشار أكثر من 250 عنصراً من الحرس الوطني في محيطه لحمايته من عمليات اقتحام محتملة، بحسب وسائل الإعلام ذاتها.
وما يعزز هذا الاحتمال أيضاً، أن المرشح الديمقراطي بايدن أعلن ثقته المطلقة بالفوز، وقال بأن الغش هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يخسر من خلالها الانتخابات، وهذا مؤشر على احتمال رفضه نتائج الانتخابات بحال هزيمته أمام ترامب، والكثير من أعضاء حزبه “الديمقراطي” دعوه لعدم الاعتراف بالهزيمة أياً كانت الظروف، ورغم إعلانه أكثر من مرة بأنه سيقبل النتيجة مهما كانت، إلا أن ذلك قد يكون من باب الدعاية الانتخابية فقط، لأنه سبق وأعلن أنه جند 600 محام وآلاف المتطوعين لمواجهة عمليات ” الغش” المحتملة في الانتخابات، وهذا يعني أنه يحضر لمعركة قانونية طويلة الأمد بحال خسارته، وبكل تأكيد فإن تلك المعركة لن تخلو من أجواء الفوضى، وربما تؤدي إلى صدامات بين أنصار الحزبين ” الديمقراطي والجمهوري” وهذا ما تدل عليه حالة الانقسام الحاصلة في الشارع الأميركي، والتي أججتها مؤخراً جريمة مينابوليس العنصرية، وما رافقها من احتجاجات شعبية لم تهدأ حتى اليوم.
بحال سارت الأمور في سياقها الطبيعي، فإن هوية الفائز بكرسي البيت الأبيض لن تكون ذات أهمية، بقدر إمكانية إحداث تغيير جوهري في السياسة الأميركية تجاه القضايا الدولية، وهذا أمر مستبعد، حيث كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي متفقان تماماً على الخطوط العريضة التي تحدد مسار السياسة الخارجية، هما يختلفان في طريقة التنفيذ فقط، فهناك ثوابت بتلك السياسة ممنوع عليهما تجاوزها، (دعم الإرهاب، ونشر الفوضى في العالم، التدخل السافر في شؤون الدول الأخرى، استخدام العقوبات كأداة ضغط وابتزاز، نهب ثروات الشعوب، الهيمنة على المنظمات والهيئات الأممية، انتهاك القوانين الدولية)، كلها ركائز أساسية في السياسة الأميركية، والرئيس الجديد أياً كانت صفته الحزبية، وماهية تركيبته السياسية والإيديولوجية، مهمته تنحصر في العمل على تنفيذ تلك السياسة الهدامة، ولهذا لا يمكن التعويل على هذا الرئيس أو ذاك لإحداث انقلاب جذري في السياسة الأميركية يصب في مصلحة مناصرة الشعوب وقضاياها العادلة، بما يحفظ ويصون الأمن والسلم الدوليين.. فأميركا المتغطرسة لا يغيرها رئيس متعجرف.
من نبض الحدث-ناصر منذر