كلما مرت من أمام اللوحة التي علقتها مؤخراً في منتصف صالونها الأنيق بألوانه الفاتحة، تشعر أن شيئاً ما ينقصها.
حين يجتمع الأصدقاء، يؤكدون أنها لوحة تاريخية، فالحشد الواقف في أحد الشوارع القديمة، يظهر الحالة التي عاشتها المدينة سابقاً…خاصة تلك الفتاة التي ترتدي فستانها الأخضر القصير، يشبه لون العشب حين يكون ندياً.
لو أن بإمكانها أن تعيد اللون إلى بعض الوجوه…غادرت إلى عملها ونسيت أمر اللوحة، اختصرت الوقت وأشارت إلى أول تكسي، حاولت أن تفهم منه الأجرة، ولكنه قال لها كما تريدين…!
المسافة لا تتجاوز الدقائق العشر، وما إن وصلت وحاولت إعطاءه المبلغ الذي اعتادت دفعه، حتى بدأ بسرد موشح معاناته، تمسكت بسلاح الصمت وغادرت على عجل…
حين وصلت إلى باب عملها الرئيسي التقت ببعض الموظفين، الذين كانوا على وشك مغادرة المبنى، حين سلمت عليهم تناهى إلى سمعها، شكواهم من كل شيء…
ما إن همت بالدخول إلى المصعد حتى عاجلها بعض الزملاء…”هاتي البشارة” زيادة الرواتب أصبحت قريبة جداً..!
لم يأخذ التوقيع منها سوى دقائق قليلة، انتهت من كل أشغالها سريعاً، و هي تحاذر الاقتراب أو سماع المزيد من الشكوى…
هرعت مسرعة إلى خارج المبنى، بعد الموشح الصباحي، لم تفكر اطلاقاً بركوب تكسي…حوالي الربع ساعة استغرقها المسير، وصولاً إلى أقرب نقطة يمكنها أن تستقل السرفيس الأبيض الذي يشبه طائراً انقرض.. وبالطبع لم تنس إحضار الألوان التي رأتها مناسبة لتبديل اللوحة..!
حاولت أن تحتال على كل ما حولها، باللجوء إلى حيلة قديمة، سماع المزيد من الموسيقا،عبر سماعة الأذنين ولكنها اكتشفت أنها تحتاج التبديل..وضعتها ضمن الخطط المالية المؤجلة..!
مع الشرود والموسيقا شعرت أن الطريق أطول من المعتاد، حين وصلت إلى منزلها، دخلت إلى صالونها..مباشرة…
دون أدنى تفكير…انتزعت اللوحة من مكانها وبدأت بصياغة ملامح جديدة، حاذرت فيها ألا تشوه الشخصيات بل أن تعيد لها بعضاً من واقعيتها الآنية…
بعد أن انتهت أعادتها..وحاذرت أن تنظر إليها ثانية، كان كل من يأتي إلى منزلها..ويرى ما فعلت باللوحة يؤيدها..إنه زمن مختلف.. لابد من التغيير..!
رؤية – سعاد زاهر