في المثيولوجيا الإغريقية وسير ملوك كورينث القدامى عوقب سيزيف لمكره وسوء أخلاقه بدفع صخرة عظيمة الحجم من أسفل الجبل إلى أعلاه، لتفلت منه قبل القمة بقليل وتنحدر متدحرجة نحو الأسفل، في عقوبة وصفت بالعبثية وغير المنتهية والمكللة بالفشل رغم الكفاح.
وعلى ذات المنوال ينسج المواطن السوي في سعيه السيزيفي بشكل يومي لتأمين احتياجاته ومتطلباته المتواضعة الفقيرة، فالخبز والمازوت والبنزين والغاز، ولا يقل أزمة عنهم الدواء الذي نجحت وزارة الصحة خلال الفترة الماضية في جعله نادراً عزيزاً، كلها تحديات يومية يخوضها المواطن وهو يعلم تمام العلم أنه خاسر في معركتها.. ولكنه خاسر جيد.
الجودة هنا لا علاقة لها بمكنون المواطن، بل لها علاقة بإصراره على متابعة الجولة حتى النهاية رغم كل ما حاق به من ضروب الاستخفاف بعقله، فاليوم وبعد قرار وزارة التجارة الداخلية بتسليم الخبز يومياً للمستحقين، أعلنت الوزارة عزمها العودة إلى قرارات سابقة بتسليم المستحقات عن يومين اثنين مرة واحدة تخفيفاً للازدحام..!!.
هذا القرار كان محط انتقاد المواطن الذي لم يترك وسيلة لانتقاده إلا وفعل يقيناً منه بخطأ هذا القرار، وهو ما تحقق بعد أن أصبحت طوابير انتظار الدور ألفيّة تملأ الشوارع والطرقات حتى الجانبية منها.. واليوم ترغب وزارة التجارة الداخلية بتخفيف الازدحام.!! الازدحام الذي خلقته هي نفسها بقرار سيزيفي بامتياز حتى صار منظر الدور طلباً للخبز مثار تندّر.
للحصار الاقتصادي والعقوبات الجائرة ضدنا دور شيطاني في القلّة التي نعيشها، ولكن أي دور للقرارات العبثية في تلك الطوابير؟.
هي العقلية التي تنتج القرارات المماثلة، فكمية طحين بعينها يمكن أن توزع بطريقة عقلانية تحترم كرامة المواطن وكرامة الوزارة التي تتولى خبزه، ويمكن أن تُقتّر بطريقة تجعل المواطن يتمنى أن يكون نسياً منسياً حتى لا يضطر إلى طابور الخبز..!!.