الثورة أون لاين- ترجمة ليندا سكوتي:
ما إن انتهت الانتخابات الأميركية حتى أخذ الأمل يحدو الكثيرين في أن تعمل إدارة بايدن على إعادة الولايات المتحدة إلى سابق عهدها، وانتهاز الفرص لاستعادة أهميتها، وتحمل مسؤولياتها داخل النظام الدولي. ورغم وجود مخاوف جمة تتعلق بالسياسة الخارجية، إلا أن الواقع سيتسم بالفتور بدرجة أكبر، ذلك لأن الحقائق المحلية والدولية الجديدة، تؤكد أن السياسة الخارجية التي ستنتهجها إدارة بايدن ستكون مرهونة بالظروف المحيطة، وبذلك ستتحكم البيئة المحلية والسياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة على نحو واسع بإمكانية إدارة بايدن على تبني أهداف سياسة خارجية طموحة، ومن غير المتوقع أن تتمكن الولايات المتحدة من ممارسة دورها في العالم والتصدي لأي أزمة خارجية نظرا لما تواجهه من اضطرابات اجتماعية واقتصادية في الداخل ترافقت مع استمرارها في مواجهة فيروس كورونا.
الجدير بالذكر أن زيادة حالات الإصابة بكوفيد-19 ستفضي إلى تفاقم التداعيات الكارثية لهذا الفيروس على الاقتصاد ما ينعكس على أسلوب العمل والإنفاق. وعلى الرغم من جرعة التفاؤل إثر الانتخابات وتداول أنباء عن تجربة للقاح فعال، فلا يزال ثمة طريق طويل لعودة الاقتصاد الأميركي إلى المستوى الذي كان عليه قبل الجائحة من حيث الإنتاج والتوظيف، فتحقيق التعافي الاقتصادي أمر بعيد المنال، كما سيحتاج العالم بأسره أيضا مدة أطول للانتعاش من جراء تزايد أعداد الإصابة بكوفيد- 19 في مناطق أخرى، لذلك سيكون العمل في خضم تحديات محلية جمة (على غرار التصدي للوباء، وإعادة بناء الاقتصاد، ومكافحة العنصرية الهيكلية) في طليعة أولويات رئاسة بايدن.
ربما لا يكون الرئيس المنتخب بايدن مؤمناً فيما يتعلق باتباع سياسة خارجية تقوم على ضبط النفس، لأن رؤيته للسياسة الخارجية تنصب على قيادة الولايات المتحدة للجهود الدولية لتكون مثالا مشرقا لسائر أرجاء العالم. ومع ذلك، فمن المرجح أن تتبنى الإدارة الجديدة أفكارا ومبادئ عدة تتجلى من خلال ممارسة ضبط النفس، وبذلك يتمثل المجالان الواسعان اللذان قد يشهدا تغييراً في السياسة الخارجية الأميركية بأمرين: الأول يتعلق بنطاق أهداف الولايات المتحدة، والثاني، إعادة بناء المؤسسات والأجهزة السياسية الأميركية غير العسكرية.
لا ريب أن واشنطن بحاجة ماسة إلى تصحيح مسارها لتحقيق طموحاتها العالمية، ولا سيما في ضوء تسريع كوفيد-19 بتراجع القوة الأميركية، لذلك لم يعد لدى الشعب الأميركي الرغبة السياسية أو القوة الاقتصادية في الوقت الحالي للتفكير باستعادة موقع الهيمنة العسكرية العالمية التي دعمت السياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة.
وفي ضوء ما ذكر، ينبغي على إدارة بايدن أخذ ذلك الواقع بالحسبان وإجراء تعديل يطال أهداف السياسة الخارجية برمتها، ولا سيما في قضيتين جاهزتين للتغيير وهما العلاقات الأميركية مع كل من إيران وكوريا الشمالية، وبخاصة بعد كشف إدارة ترامب محدودية القوة الأميركية إثر انتهاجها مبدأ “الكل أو اللا شيء” حيال الاتفاق النووي الإيراني والدبلوماسية مع كوريا الشمالية.
يمكن لإدارة بايدن تحقيق بعض المكاسب في السياسة الخارجية إن كانت على استعداد لوضع أهداف أكثر محدودية على غرار الأهداف الموجودة في الاتفاق النووي الإيراني الأساسي، والتعاون مع شركائها فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني.
أما مجال اهتمامها الآخر فيتعلق بالحد من تسلح كوريا الشمالية، بعيداً عن فكرة نزع السلاح النووي الكامل، ولا سيما بعد خروج الأمر عن زمام السيطرة إثر اختبارات الصواريخ البالستية التي قامت بها كوريا الشمالية واستعراض قدراتها الجديدة، فضلاً عن الإخفاق الأميركي في نزع سلاحها النووي.
سبق لإدارة ترامب أن عمدت إلى سحب الولايات المتحدة من المنتديات العالمية على غرار منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ، وبذات الوقت مارس ترامب ضغوطاً فعلية على حلفائه بغية تحمل عبء أكبر للدفاع عن أنفسهم، بيد أن ذلك لم يحقق له ما يصبو إليه من تنفيذ أهداف سياسية غير عسكرية تتمثل بالتعاون مع الدول الصديقة.
ونرى أنه يمكن لإدارة بايدن إجراء تصحيح في المسار القائم عبر البدء بإعادة تأسيس مضامين جديدة للسياسة الخارجية، بالإضافة إلى ذلك فإن العودة إلى الدبلوماسية عبر تنشيط وزارة الخارجية وإعطائها دورها كمؤسسة فعالة سيفضي إلى استعادة الأدمغة ذات الفعالية في السياسة الخارجية الأميركية، ذلك لأن تجاوز ما اتخذه ترامب من قرارات يعد مؤشراً هاماً يتصل بالقيم الأميركية والقوة الناعمة، ويبرز مناهضة قوية لدبلوماسية محاربة- “الذئب الصيني”- كما سينتهي الإنفاق الهائل على ميزانية الدفاع الأميركية نتيجة الضرر الاقتصادي الذي سببته الجائحة ما يحد من مخاوف الجمهوريين بشأن الديون القومية.
لذلك فمن الحري معالجة التحديات السياسية والاقتصادية المحلية قبل تبني إدارة بايدن القادمة أي نهج لاستراتيجية استباقية كبرى، وأن تأخذ بحسبانها ما طرأ من تغيير واسع على العالم في السنوات الأربع الماضية، وينبغي أن تتطور الطموحات والمقاربات السياسية الخارجية الأميركية لتلبية الواقع الجديد، بالإضافة إلى ذلك يجب تصحيح الأخطاء الحاصلة في السنوات الأربع الماضية، التي نجم عنها انحسار في الرؤية للقوة الأميركية، وعلى الإدارة الجديدة أن تعلم بأنه ليس لها من خيار آخر يمكن اتباعه نظراً للمعوقات الجسيمة التي يتعين على الولايات المتحدة التغلب عليها قبل انتهاج أي سياسة أخرى.
بقلم: براندون فاليرانو وإريد غوميز