الثورة أون ﻻين- آنا عزيز الخضر:
الواقع إنه الملهم الأول والأخير للمسرح الجاد، المتميز في طرحه ،النوعي في خياراته ورؤياه، الاستثنائي تحديدا في تناول القضايا الانسانية الأهم .. الواقع هو الأرضية الصلبة التي يستند عليها،وبالتالي هو أحد مسوغات نجاحه اﻷبرز، لأنه يلتزم مباشرة بهموم الناس، يتعايش مع تفاصيلها ومشاكلها و صعوباتها ،أحﻻمها، طموحها، فرحها، حزنها، خﻻصها.. إنه الوجع البشري الحاضر بين ضفاف الفنون الأجمل، والذي يمنحها الغنى الحقيقي، فتكون لصيقة بالناس،تخاطب عواطفهم وأمنياتهم، تحاكي العقول وتحثها على الحوار، تبحث بجدية في معالحة الرؤيا، كي نراها بشكل أكثر نضوجا ، كما تقدم الحاﻻت الانسانية من زوايا متعددة، إنها الأعمال التي تدور في صميم الواقع …منها كان العرض المسرحي (مايسترو) من تأليف: (سجيع قرقماز)،إعداد واخراج (لؤي شانا)..
حول العرض حدثنا قائﻻ:
تم العمل من قبلي على هذا النص من خلال عملية إعداد درامي، ليخرج بصورته الأخيرة كعرض مسرحي،يسلط الضوء على قضايا وأحداث، تمس شريحة كبيرة من الناس، ولعل هذا كان سببا اساسيا من اسباب النجاح اللافت للعرض، اذ ان كل من شاهده، شعر بأنه شريك فيه متفاعل معه، لان العرض يعبر عن احساسه او تجربته او موقفه، آلامه وآماله..
لن ندخل كثيرا في تفاصيل حكاية العرض بل يكفي ان نعرف انه عالج مشكلات كثيرة وكبيرة في المجتمع، كان العرض بمثابة صرخة مدوية في وجه الظلم والفساد المستشري،
اعتمدت اسلوب الكشف والتعرية وفضح العديد من النماذج الاجتماعية والثقافية والسياسة والدينية.. حتى تحول العرض الى ساحة معركة تتقاذف فيها الشخصيات الاتهامات وتعري بعضها بعضا.. مكاشفة عنيفة أودت في النهاية الى الوصول لمقولة اساسية، بأن العهر ليس عهر الجسد فقط، وانما الفساد عهر ،الجوع عهر، الخيانة،الظلم،السرقة،التضليل،الاتجار بأحلام الناس وحاجاتهم الملحة كلها وجوه أخرى للعهر كشفتها المسرحية.
اعتمدت في العرض على اسلوب الكوميديا السوداء، لذلك وجدنا البسمة، ترتسم على وجه الجمهور والضحكة تجلجل هنا وهناك. بالتوازي مع شعور الاسى والحرقة.. وكان لبقية عناصر العرض المسرحي من موسيقى وديكور وأزياء وإضاءة دور كبير في إكمال الصورة، لتصل للجمهور بشكل فني جميل وراق. ولعل العنصر الأكثر اهمية في العرض كان التمثيل، فالممثلون الذين شاركوا في العرض على اختلاف اعمارهم ومستوياتهم الفنية والفكرية، كانوا السبب الأهم في ايصال افكار ورسائل ودلالات العرض بيسر وسهولة للجمهور، لما يمتلكونه من طاقة وموهبة استثنائية وأدوات فنية جعلتهم قادرين على الامساك بخيوط اللعبة المسرحية…
كما تحدث الكاتب (سجيع قرقماز)قائﻻ:
العمل يبحث في الكشف في خبايا الانسان خصيصا في الزمن الصعب حيث تعز حتى اللقمة ، وحيث يسود الفساد والقهر ، فما العمل؟؟
إن غاية العمل الفني هي الكشف والفضح من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وذلك عندما تهزل النفوس ، وتصبح قذرةً ، لاقدرة لها على تمييز الغث من السمين ، خصيصاً حينما يتناول الناقد او الكاتب مسألةً أو فكرة ً ولا غاية له إلا الشهرة او الكسب المادي ..
هنا تنتهك قدسية المسرح بالأفكار القذرة ، وهذا ما يكشفه العمل المسرحي (مايسترو) حيث بطله لم يكن قد مات بعد ، لكن من حوله اعتقدوه ميتاً، فاستطاع بمراقبتهم كشف الهشاشة والقذارة في تعاملهم معه ، وهذا ما أجاد صياغته مسرحياً المخرج الأكاديمي القدير الصديق لؤي جميل شانا ، بلوحاتٍ فنيةٍ رائعة . مجتمعٌ تفضح عريه عاهرة ، تبين الفرق بين القداسة و العهر.
هل يكون العهر بتقديم جسدها لطالبيه من أجل تأمين لقمة خبزٍ لأولادها ! أم هو النقد الغائيّ مدفوع الثمن مسبقا ، او التقرير ( لإعلامي) لاحق الدفع ، او قصيدة رثاءٍ زائفة ، بل قصة حبٍ غايتها الاذلال !!
عملٌ فاضحٌ كاشفٌ، لمجتمعٍ مكشوف ، وهو مزعجٌ لأنصاف بل ارباع المثقفين ، والذين يحتلون المناصب الرفيعة التي تسمح لهم بكل القذارات على خشبة مسرح لؤي شانا المقدسة.
نص قصصيٌ ، أعدت صياغته درامياً ، أخرجه الصديق المخرج الأكاديمي ( لؤي جميل شانا).
شارك بالعمل مجموعة من الممثلين المخضرمين والهواة ، فأبدعوا ، وأثبتوا أنهم جديرون بالنهوض بأفكار هذا النص ، من خلال أداءٍ لافت وفهم عميق.