رغم تعهده بمواصلة ” القتال” في معركة الطعون الانتخابية، يبدو أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، يتجه نحو الرضوخ لواقع هزيمته، هذا ما تدل عليه تعليماته الجديدة لفريقه كي يتعاون في المرحلة الانتقالية لإدارة الرئيس المنتخب جو بايدين، ربما يكون ترامب قد ضمن مسألة الحفاظ على إرثه السياسي المقيت، والسير على نهجه خلال الفترة الرئاسية القادمة، واللافت أن بايدن الذي أعلن عن سلسلة تعيينات في حكومته شملت أعضاء إدارته للأمن القومي والسياسة الخارجية، شدد على مسألة ” القيادة الأميركية للعالم” لمواجهة التحديات التي لا يمكن لأي دولة أن تواجهها بمفردها، حسب تعبيره، وكان أنتوني بلينكن الذي اختير لمنصب وزير الخارجية، قد قدم توضيحا لتوجهات واشنطن الجديدة تجاه السياسة الخارجية، وركز أيضا على محور واحد ” أهمية القيادة الأميركية للعالم”، زاعما بأنه “لا يمكن للعالم وحده أن ينظم نفسه”، وهذا مؤشر واضح على عدم إمكانية حدوث تغيير جذري في الاستراتيجية الأميركية القائمة على الهيمنة والتفرد والاستعلاء على الآخرين.
الوزير الأميركي المعين للتو لخلافة البلطجي مايك بومبيو، ربط أيضا – قبل أن يرشحه بايدن لهذا المنصب- مسألة عدم “قيادة أميركا للعالم” بحدوث فوضى وأمور سيئة على الساحة الدولية، وهذا ينبئ بالمزيد من التوتر في العلاقات الدولية مستقبلا، لأن ثمة قوى دولية صاعدة كالصين وروسيا وإيران وغيرها، لا يمكن أن تسمح بتجاهل دورها الفاعل والمؤثر على الساحة الدولية، لاسيما وأنها ساهمت في الحد من سياسة الهيمنة الأميركية، وكذلك فإن العالم بات يتوق كثيرا للتحول نحو التعددية القطبية، فيما الإدارة الأميركية الجديدة مصرة على ما يبدو على تجاهل الرغبات الدولية في التغيير، للتخلص من سياسة البلطجة الأميركية التي أغرقت شعوب العالم في حروب ونزاعات لا تزال تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وتتعامى أيضا عن حقيقة أن تلك السياسة قد وصلت إلى طريق مسدود، ولم تجن الولايات المتحدة من ورائها سوى المزيد من احتقار العالم لهذا البلد الذي يرفع زورا وبهتانا شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويغزو الدول الرافضة لنهجه الاستعماري، تحت يافطة تلك الشعارات التي يفتقد لمعانيها وقيمها.
تجارب العالم مع سياسات الإدارات الأميركية السابقة، تشير إلى أن إدارة بايدين لن تختلف عن سابقتها، ربما تختلف في التكتيك والأسلوب، ولكن الغاية الاستعمارية تبقى ذاتها، وهذا ما نلحظه على صعيد الدعم المفرط للكيان الصهيوني، والتوجه نحو استكمال “صفقة القرن”، لاسيما وأن بايدن هو صديق وحليف قوي للكيان الغاصب، ووزير خارجيته القادم بلينكن هو “يهودي” وأكثر تطرفا لجهة دعم هذا الكيان على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، وتلميح بايدين الدائم لانتهاج مقاربة مختلفة مع النظام السعودي على خلفية ارتكابه جرائم حرب في اليمن، وانتهاكاته الفظيعة لحقوق الإنسان، يبدو أنه كان سياسة تكتيكية لمواصلة الاستثمار بالدور التخريبي الذي يؤديه هذا النظام في المنطقة، فهذا النظام يبدو أنه بصدد التعجيل بتقديم “الهدية” التي وعد بها سابقا الرئيس الأميركي المنتخب، وكل الدلائل تشير إلى أن الانخراط في صفقات التطبيع المجاني هو الهدية الموعودة لإرضاء بايدن، وإدارته الجديدة.
رغم النفي السعودي الخجول منعا للإحراج، فإن اللقاء الثلاثي الذي جمع ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو، عقب زيارة سرية قام بها الأخير لمدينة نيوم السعودية، فإن “التطبيع” سيكون جائزة الترضية لإدارة بايدن، وخاصة أن الزيارة بحد ذاتها تمثل ذروة التطبيع، بعض المسؤولين في حكومة العدو الإسرائيلي، والعديد من وسائل الإعلام الأميركية والصهيونية أكدت حصول هذا اللقاء، حتى أن وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس قد استهجن “تسريب” خبر اللقاء من قبل وزراء إسرائيليين، وهذا تأكيد على حصوله كذلك فإن وزير خارجية النظام السعودي فيصل بن فرحان أكد قبل يومين أن نظامه يؤيد “التطبيع الكامل” مع الكيان الصهيوني، وهذا دليل آخر على أن الإدارة الأميركية الجديدة قد هيأت لنفسها مسبقا كل الظروف والأرضية المناسبة للتسريع بإجراءات ” صفقة القرن”، وبالتالي شرعنة الاحتلال، وشطب القضية الفلسطينية، وفقاً للخطوط والجداول الزمنية التي وضعتها إدارة ترامب، وهذا يعطي مؤشراً واضحاً على أن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، لن تخرج بالمطلق عن نهج البلطجة والعربدة التي سارت عليه كل الإدارات الأميركية المتعاقبة، ليس في المنطقة وحسب، وإنما على امتداد الساحة الدولية أيضاً.
نبض الحدث – ناصر منذر