الثورة أون لاين-عمار النعمة:
عزيزة هارون صوت ندي رخيم من أصواتنا النسائية السورية التي دافعت عن حقوق المرأة وإنسانيتها بعد أن وقعت في براثن العادات والتقاليد الشرقية، كما أنها رائدة من رائدات الشعر النسوي السوري.
(وقائع الندوة الثقافية) عزيزة هارون… الشاعرة ذات الديباجة البحترية والنزعة الصوفية الإنسانية، كتاب صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب إعداد وتوثيق: د.محمد قاسم، ونزيه الخوري.
تأتي هذه الندوة احتفاء بهذا الصوت النسائي الندي, للكشف عن محاسن شعرها ومواضع الجمال فيه, فكشف المحاضرون عن أصداء الحياة الاجتماعية وما اتفق فيها من صراع نفسي بين نفس تواقة للجمال والشعر وبين تقاليد اجتماعية صارمة تُطبق على هذه النفس في نصوصها, والغزل والحب في اشعارها, واستلهام التراث في قصائدها ووجوه توظيفه .
الغزل في شعر هارون
د. فاطمة تجور أكدت في بحثها أن شعر هارون غلب عليه الموضوعات الإنسانية الكبرى كحب الوطن، وحب الطبيعة..حب الطفولة, وظهر فيه مواكبته لحركة الشعر الحديث والرومانسية، وكان لتجاربها الخاصة كبير الأثر فيه، فتجارب الحب والزواج المتكرر في حياتها أدت لانكسار البوح العاطفي في شعرها.
كانت قصيدة الحب تمنحها مجالاً حراً في تحقيق الذات, لأن الحب هو الموضوع الذي تشغل الذات به نفسها حتى تترسب أحزانها في القاع, وحتى يبدو كل شيء جميلاً وساراً في هذا الوجود.
وتشف قراءة شعرها في الحب عن نسق ثقافي أنثوي يتحرك بحياء حتى ليبدو ليناً رقيقاً مهموساً، فالرجل في شعرها تغيب صورته الحسية حتى ليبدو كأنه محرض شعري أكثر من كونه إنساناً حقيقياً، ولغزلها معجم خاص تكثر فيه الألفاظ العاطفية الانفعالية كالدموع والقلب والهجر والشوق، ويغلب عليه البوح الغنائي، والشاعرة في لحظات التوهج العاطفي تحيل إلى السرد أو الحكي بوصفه قيمة مؤنثة، تلوذ بها عزوفاً عن المباشرة وتحرجاً من التصريح.
أصداء الحياة الاجتماعية في شعرها
د. منيرة فاعور قدمت تعريفاً موسعاً بالشاعرة التي ولدت في حي القلعة في مدينة اللاذقية عام 1923، وتلقت تعليمها فيها. كتبت الشعر وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، وتزوجت في سن مبكرة من قريب لها يكبرها بنحو عشرين عاماً، فثارت على هذا الزواج غير المتكافئ وتحررت منه بالطلاق بعد ستة أشهر، ثم تزوجت بالشاعر محمد نذير الحسامي لتفترق عنه، ثم تُزف للمرة الثالثة إلى السياسي قدري المفتي وتنفصل عنه بعد مدة أيضاً، وقد سبب لها هذا الإخفاق المتكرر في الزواج، وخلوه من الإنجاب آلاماً نفسية قاسية ظهرت في أشعارها.
ولفتت د. فاعور أن الشاعرة صرفت همها للبحث في غور المجتمع، وتعرية الواقع بقصائد طالت معظم جوانبه المظلمة، منطلقة من حبها لبلدها، وأهله يقودها في ذلك دافع إصلاحي توجيهي. فكان من أهم القضايا الاجتماعية التي تناولتها: الطفولة المحرومة، والإنسان المقهور، وتمجيد الشهيد، ومعاناة المرأة، والفقر…
المؤاثرات التراثية في شعر هارون
د. ثائر زين الدين في ورقته التي حملت عنوان (المؤاثرات التراثية وتجلياتها في شعر عزيزة هارون) أكد أن هارون قرأت أشعار المتنبي والعري والبحتري وأبي فراس الحمداني, وتأثرت كما تقول بعمر بن أبي ربيعة وبابن زيدون والعباس بن الأحنف مشيراً أن حضور التراث العربي أو تراث المنطقة ليس هو الملمح الأبرز في شعر عزيزة هارون، بيد أن القارئ لهذا الشعر يقع على إفادات ذكية من التراث، ويعثر على تعالقات وتناصات واضحة تارة، ومخفية أخرى, كأن تستحضر الشاعرة مفردة واحدة أو تركيباً لغوياً ما مستفيدة من طاقتهما الإيحائية التي تصبح عوناً لها في تقديم فكرتها إلى المتلقي، على نحو ما جاء في قصيدة (حبيبة البحر) التي استحضرت فيها الشاعرة اسمين شهيرين في الثقافة العربية وهما: قس بن ساعدة الإيادي، وسحبان وائل. أو على نحو ما جاء في قصيدة (يا شعر أنت رسالة) التي حاولت فيها الشاعرة أن تسترفد أسماء بعض الشخصيات التاريخية (كالرشيد) ليس بدافع فني أو ثقافي، ولكن تحت بواعث قومية ووطنية هذه المرة.
أما الجزء الأخير من الكتاب فتضمن ثلة من مختارات شعر عزيزة هارون، نقرأ بعضا منها:
اغرق في الأرض العطشى
يامطر الحب
روِّ الدنيا كل الدنيا
واغمر قلبي يامطر الحب تِعبت أنا
في صحراء العمر
ماذا في الأمر ؟
ومن قصيدة (ربيع ) نقتطف مايلي :
ويعود يسأل عن ربيعي/إني غمرت ربيع عمري
أين الربيع وزهره ومراحه/ويمقلتي أنينه وجراحه
ويعود يسأل عن ربيعي/مالونه ما ظله؟
واللون في لهب الشموع/والظل في حلم رفيع.