الثورة أون لاين -هفاف ميهوب:
تقول المحامية والكاتبة اليهودية «فيليسيا لانغر» المعروفة بمواقفها وكتاباتها المؤيدة لحقوق الإنسان وقضاياه، ولاسيما القضية الفلسطينية.. تقول في كتابها «الأنكى من الوقاحة» الذي أدانت فيه الممارسات الاسرائيلية الوحشية:
« مازلت وزوجي، نحافظ على مبدأ عدم الصمت عن أي جريمة، وأي ظلم نشهده، وذلك بالدفاع عن حقوق الإنسان أينما كان، وبمقاومة أي شكل من أشكال العنصرية.
لقد كرست سنوات عمري، للدفاع عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وعندي الكثير لأقوله عن الخروقات الفاضحة التي ارتكبتها اسرائيل ضد هذا الشعب الذي تجاوزت جرائم الحرب التي ارتكبتها بحقه، حتى اتفاقيات جنيف عام 1949».
إنه بعض ماقالته هذه الكاتبة التي شهدت بأم عينها، ماوثقته في كتبها التي حملتها الكثير من قصص الحقد والبغض و الإجرام الاسرائيلي، بحق الشعب الفلسطيني، بل كلّ ماهو عربي.
هذا ماوثقته «لانغر» بعد أن رأته، وبعد أن جالت مختلف أنحاء الكيان الصهيوني، وتأكد لها كذب مزاعمه بالسعي للتعايش بسلام مع الشعب الفلسطيني.. تأكد لها أيضاً، بأن لاهدف له إلا الاعتداء على هذا الشعب وسلب أرضه وحقوقه، والعمل على إبادته بكل الأساليب التي تمحي وجوده.
كل ذلك، كان سبباً في تجرئها على حمل قضايا هذا الشعب إلى منصات المحاكم.. تدافع عنها بكلّ قوة وإيمان وإصرار، متحملة شتى أنواع الإهمال والمماطلة والوعيد والتهديد من حكومتها ومواطنيها المؤيدين للاحتلال الظالم.
لكن، ولأنها قررت ألا تتراجع عن قرارها، تحولت إلى زيارة المعتقلات الموجودة في أنحاء الكيان، تسمع وتشاهد وتروي مارأته بأم عينها..
مارأته من معاناة أسرى فلسطينيين، نالت في سعيها لإنصافهم والدفاع عن حقوقهم، شهرة واسعة في شتى أنحاء العالم الذي لايستطيع أن ينكر أبداً أو يكذّب حقيقة ماروته، ولأنها واجهته: «بأمِّ عينيّ، رأيت مايتعرض له الشعب الفلسطيني.. رأيت الأهوال في المعتقل، وأقول بلا خوف أو خجل:
«يهددون المعتقل أولاً بالضرب، وإذا لم يجد التهديد نفعاً، يُعرى ثم يتناوب أشخاص على ضربه، مع مراعاة أن يكون الضرب على رأسه، وعلى مناطق حساسة في جسده.. بعدها، يُسكب الماء عليه عند كل إغماء، ثم يُستكمل التحقيق بمياه شديدة البرودة، تعقبها مياه شديدة الحرارة، وتطفأ السجائر في يديه وجسده و أماكن أخرى، مع عمليات الصعق الكهربائي..
تحرق الشفاه، وتنزع الأظافر، وينتف الشعر، ناهيك عن عمليات الاغتصاب التي كثيراً ماتسبب الجنون، أو فقدان الوعي لأشهر»..
هو بعض ماروته «لانغر» في كتابها «بأم عيني».. الكتاب الذي يعتبر من أهم وأشهر الكتب التي وثقت لحركة المقاومة الفلسطينية، بعد أن كشفت وعرت أساليب التعذيب البشعة التي تمارس في المعتقلات الاسرائيلية.
ليس هذا الكتاب فقط، فما خفي كان أوجع وأبشع، وهو مااضطرها إلى التحول من المحاماة إلى الكتابة التي أرادت من خلالها إنصاف هذا الشعب، وتقديم رسالة تقول للعالم، ماقالته في «أولئك أخوتي» و«من مفكرتي»..
رسالة تقول: «اسرائيل عدوانية، وهي وصمة الحقد والعار والإجرام والشرور الباقية»..
كل ذلك، جعل الفلسطينيبن المعتقلين يرون فيها المنقذ الذي حلموا وانتظروا، بأن ينصفهم ويخلصهم من عذاب المعتقلات، والتعسف والمعاناة..
لكن، وبالرغم من مساعيها الدؤوبة لتحقيق العدالة التي أرادتها، إلا أنها قررت الرحيل عن موطنها المزعوم، وبعد أن يئست من عدالة قضاته الذين اتهموها بالخيانة والعمالة وشنّوا عليها الكثير من الهجوم.
رحلت إلى «ألمانيا» لاتحمل إلا ذاكرتها. الذاكرة التي امتلأت بالكثير من صور الوحشية الصهيونية التي لايمكن أن تنساها من شدة ماآلمتها..
فجأة، ترى صوراً تشبه التي رأتها وتجسد المعاناة الفلسطينية.. صور التعذيب في سجن «أبو غريب» وماتعرض له موكلوها المعتقلون ممن أخرجتها معاناتهم عن صمتها، واضطرتها لإطلاق صرختها ضد البشاعة الأميركية:
«تلك هي نفس الأساليب التي تستخدمها اسرائيل في تحطيم أرواح المعتقلين، لكن بصور تثبت ماكانت قد أثبتته عدسة عيني».