إرهاب الدول، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، هي سياسة بلطجة أميركية ثابتة لا تتغير مع قدوم أي إدارة جديدة، وكل رئيس جديد يبني السياسات الخارجية لإدارته على ما سبق وانتهجه الرؤساء المنتهية صلاحياتهم داخل البيت الأبيض، وبايدن لن يكون خارج منظومة العمل اللاأخلاقية التي تعبث بأمن الشعوب وتهدد استقرارها، إذ مع اقتراب تسلمه مقاليد الحكم، تتواتر المعلومات من داخل طاقم إدارته الجديدة حول الخطوط العريضة للسياسة الخارجية التي ينوي تبنيها والسير على نهجها، ليتبين أنها امتداد لسياسات أسلافه، وبحسب التسريبات عن فريقه فإن سياسة الإرهاب الاقتصادي المتمثلة بسلاح العقوبات ستظل أداة محورية في صلب تلك السياسة، وبايدن لن يعيد النظر فيها، سوى من باب الحفاظ عليها أو توسيعها.
العالم ليس بحاجة للتذكير بماهية السياسة الخارجية للولايات المتحدة وغاياتها العدوانية، هي محكومة في الأصل بنزعة التسلط والهيمنة، وسلاح العقوبات لمحاولة إخضاع الدول الأخرى بات الأسلوب الأكثر استخداما في سياسة البلطجة الأميركية، ولكنه يعكس في الوقت ذاته الفشل الذي يلازم تلك السياسة، حيث لم تجن من ورائه واشنطن أي مكاسب سياسية تذكر، سوى جلب المعاناة الحياتية والمعيشية للشعوب المستهدفة، وهذا لا يعد انتصارا بطبيعة الحال، وإنما يضيف إلى السجل الأميركي المزيد من الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية، فهذا السلاح القذر هو موجه في الغالب ضد الدول التي ترفض الانضواء تحت راية التبعية الأميركية، بهدف الضغط والابتزاز، وكثيرة هي الدول التي عجزت الولايات المتحدة عن سلب إرادتها وإخضاعها لمشيئتها، وسورية مثال صارخ، كما هي إيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الديمقراطية وغيرها الكثير، حتى أن المسؤولين الأميركيين أنفسهم يقرون بفشل سياستهم الغاشمة تلك.
روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سورية، هو أحد المسؤولين الذين أقروا علنا بفشل سياسة العقوبات ضد سورية، وهو كان من الداعمين الرئيسيين لهذه العقوبات، إلى جانب دعمه للتنظيمات الإرهابية، وتحريضه المستمر على نشر الإرهاب وتأجيج العنف والفوضى، ولكنه سرعان ما أدرك بأن بلاده لن تستطيع الحصول على أي تنازلات سياسية من الدولة السورية بسبب سياسة الضغوط القصوى المتمثلة بـ” قيصر” العدائي، وهو قد وجه – للمفارقة- نصائح لإدارة بايدن الجديدة لإعادة النظر في تلك السياسة، وهذا اعتراف ضمني صريح أيضا بانتصار الصمود السوري بوجه سياسة الحصار والعقوبات التي ساهمت بمعاناة السوريين وبسبب الحرب الإرهابية ومفرزاتها السياسة والاقتصادية، ولكنها لم تثن سورية عن مواصلة حربها ضد الإرهاب، ولم تدفعها للتخلي عن قرارها السيادي الحر، وعن ثوابتها الوطنية، وعن تمسكها بخيار المقاومة، والأهم أنها لم تدفعها للتخلي عن القضية الفلسطينية ومناصرة حقوق الشعب الفلسطيني، والقبول ” بصفقة القرن” أحد أهم الأهداف الأميركية والصهيونية من الحرب الإرهابية التي تتعرض لها.
الدول المستهدفة بالعقوبات الأميركية ومنها سورية، سبق وأن اعتادت على نهج العربدة الذي تمارسه الولايات المتحدة بحقها، ولم تعول يوما على أي من الإدارات الجديدة لتغيير هذا السلوك العدواني تجاهها، لإدراكها الكامل بأن النظام الأميركي تحكمه منظومة قيم منحدرة إلى الدرك الأسفل من الانحطاط السياسي والاخلاقي، فأميركا لطالما بررت إرهابها الاقتصادي الممنهج بذرائع وحجج واهية، والصقت تهما سياسية باطلة بحق الدول المستهدفة بعقوباتها، لمحاولة إقناع الرأي العام العالمي بصوابية نهجها الخارج عن كل قوانين الشرعية الدولية، ولدفع الدول السائرة بركبها لركوب موجتها العدائية تلك، ولكن سرعان ما تتكشف زيف ادعاءاتها، وتتضح أهدافها العدوانية المتمثلة بتوسيع دائرة سيطرتها على مقدرات الشعوب، للحفاظ على هيمنتها وتزعمها لعالم القطب الواحد السائر نحو تعدد الأقطاب بفعل الرفض الدولي الواسع لسياسة التفرد الأميركية.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر