يلملم عامنا الحالي آخر أيامه جاراً ذيوله مغادراً، كيف ستمر هذه الأواخر وهي تفجعنا كل يوم بعزيز، أو خبر صارخ، أو منظر مؤلم.. لست بصدد الشكوى من الزمن وهذا العام، لأنها الأقدار بما شاءت لنا، ونحن نؤمن بحتميتها وصيرورتها.
أعجب من كم النوائب التي انهالت في هذا العام علينا، متجاوزة ما مر في دهر دون حساب، ما الذي سيتذكره المرء من سُحب داكنة لبدت أيامنا، لأن البيضاء منها تسير مسرعة لتجلو زرقة السماء خلفها.. حين تقشعها خيوط الشمس بسهولة ويسر.
أما تلك الداكنة فهي مثقلة بالمطر والهموم. والنوائب المفاجئة التي داهمتنا كصعق البرق، السحب الداكنة تصدم بعضها لتنتج شرارة برق ليست بنور يضيء الليالي وإنما بضوء يخطف الأبصار، فتعمى العيون، وقد تعمى القلوب التي في الصدور.
العمر الذي مضى قبل الهزيع الأخير الذي مرّ، كم كانت فيه الحياة جميلة، كل لحظة تعانق عقارب الساعة، مفعمة بالحب والمرح، والنجاح والتفوق في مجالات الحياة كافة، أسرياً وعملياً؛ في الحياة السورية العامة والخاصة، سياسياً واجتماعياً وعلمياً..
انتهى العقد الأول من القرن الحالي بكل نكبات الأمة، من غياب الرئيس حافظ الأسد عن عرينه، وهو المرعب لأعدائه بهدوئه، وحافظ هيبة الأمة.. بعده توالت نوائب الدهر، مع أيلول الشؤم منذ الحادي عشر منه وما تلا..
ويلات ونكبات واستغلال للدين، الذي وظف ليكون الباب الموارب لدخول الإرهاب إلى بلاد الأمة، التي وهبت العالم أجمع حضارة وعلماً وعلوم.. إرهاباً يحطم حاضرها ليندثر ماضيها، ويحترق مستقبلها، وكانت بواكيره ما جره طيش بوش الابن للعراق..
احتل العراق ليتعرّى ظهر سورية، بتحطم العمق الاستراتيجي لها فهي الشوكة التي تغزّ عين بني صهيون في فلسطين المحتلة.. مما لا يضعفها وحدها بل الأمة العربية قاطبة.. ظناً أنهم قادرون على جعل الشعب العربي حصان طروادة، ومطية للغرب.
ووظف ما دعوه بالربيع العربي، وأدواته من أعداء الدين والفصائل الإرهابية المدربة في الاستخبارات الغربية، لتحطيم الدول العربية الواحدة تلو الأخرى. لأجل تقوية الكيان الصهيوني، ومنحه الأمان الذي لن يناله مادام لأهل فلسطين حق ضائع..
رغم كل ما حدث ويحدث على الساحة العربية، خاسر من يحابي أو يبحث عن أمنه واستقراره مع الكيان الصهيوني، على أرض فلسطين المحتلة أو خارجها.. فلا أمن ولا أمان في التعاون مع الكيان الغاصب.. أو بالتحالف مع أذرع الحراك المخرب.
كل الشغب الذي ساد المنطقة العربية مرتهن للغرب، ومن يسانده أجير لدى الأجنبي لتسديد فاتورة البقاء؛ أوتثبيت عروش تحاول الاستقرار المستدام.. أما أحرار الشعب العربي فلا يساومون على حريتهم.. ولا بديل لهم عن وطن حر كريم، مقدَّر محترم.
أبناء سورية الموغلون في التاريخ لآلاف الأعوام، لا يرتضون لعزتهم وكرامتهم بديلا، رغم الهموم المثقلة لكواهلهم عبر سني الحرب، وما صُبَّ عليهم من غلواء حقد الأعداء.. وما تركته الفتن الفاشلة رغم سعارها من ويلات الربيع المدمر الكارثي..
ما الذي ينتظرنا في الأيام البواقي من هذا العام، وما سيورثه للعام الجديد؟؟.. حقيقة أن للأقدار مفاعيلها، ولكن لإرادة الإنسان أيضاً مفاعيل تواجه الأقدار.. فلنغلب ما يحيكه لنا أعداؤنا من نوائب، بحكمة تناصر المظلوم وتقضي على الفساد ليستقيم ميزان العدل والمواطنة، بما يحفظ كرامة المواطن من هدر ماء وجهه..
عام سعيد يا أبناء وطني وأمتي..
إضاءات – شهناز صبحي فاكوش