الثورة أون لاين – سلوى الديب:
غادة اليوسف عاشت متمردة تخترق الصعاب منذ طفولتها المبكرة، شغلها هاجس السؤال الذي يتجاوز طفولتها البريئة، فلم تقنعها الأجوبة البسيطة التي ترضي فضول نظرائها، فتوجهت نحو الكتاب لتنهل من ينابيع المعرفة ما استطاعت، فكانت متعددة المواهب فهي الباحثة الاجتماعية والقاضية والروائية والقاصة والشاعرة والناقدة الجريئة والثائرة على العادات والتقاليد البالية..
وبالدرجة الأولى هي الإنسانة الصادقة الصديقة الودودة لكل من حولها، وبرغم إحساسها الدائم بالغربة، تلمس عمق تجربتها وتميزها فهي ابنة الواقع وهي بطلة أغلب أعمالها، وحاملة الهم الفردي الوطني والقومي، فترى فلسطين قابعة بأغلب تفاصيل أعمالها، ونراها مصلحة اجتماعية تغوص في عمق آلام الناس وتحللها وتستخرج أسبابها بمهارة طبيب جراح، بالإضافة لتناولها بعض الثغرات في القانون واستغلالها من قبل بعض المستنفذين الذين يشترون الذمم، فينقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، نلمس في أعمالها الإصلاح الاجتماعي والتوعية بأسلوبها الرشيق، رافعة الصوت لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهمها أن تكون كتاباً مفتوحاً واضح المعالم تجذب إليها كل مهتم بالأدب ومفرداته، حاولت الإبحار ببعض أعمالها واستخراج بعض الدر النفيس من بحورها:
“في العالم السفلي” هي مجموعة قصصية اجتماعية نادرة من حيث الأسلوب والغوص في عمق المعاناة الإنسانية وتعتبر إيقونة أعمالها تتألف من اثنتا عشرة قصة اجتماعية لامست فيها آلام الناس أولها قصة “بارقة” وآخرها “مواويل عراقية”، نلحظ في عملها السرد الجميل واللغة الشعرية الرصينة والصور الفنية وهي أقرب للنثر، فنلاحظ التميز بنبضاتها التي صاغت به الإهداء وبلغتها الشعرية:
إلى وجع وهبني نعمة الدمع
وسقى جناح التوق فأورق الحلم
وغسل عن عيني غبار المسافة فانجلى ضوء الطريق..
وفرح – مسح رين قلبي
فبلسم الروح بحكمة المحبة
إلى من كان وجعاً – أو فرحاً
أسكب رشفة مما تعتق في دنان الخريف.
أما مجموعتها القصصية “أنين القاع “التي أهدتها لروح ابنتها الراحلة ميديا، فقد عبَّر عنوان المجموعة عن مضمونها عن الطبقة المسحوقة القابعة في قعر قاع المجتمع في ظل انهيار القيم الاجتماعية وسطوة المال بنزعة وجدانية، ففي قصتها “جسر الشوك” نهلت من تجربتها وعملها في القضاء كمستشارة في محكمة جنايات، ودراستها الماجستير في الفلسفة وعلم الاجتماع وإجازة في الحقوق، فكان لخبرتها وقع على أعمالها، فكانت مصلحة في بعض المواقع وطرفاً، ففي قصتها “أنين القاع” تناولت الوجع الاجتماعي وتشرد الأسرة بعد موت الأب فيكبر الصبي قبل أوانه، ليعارك صعاب الحياة في معركته للحصول على حقه وتتصاعد الأحداث بطريقة مثيرة بأسلوب شيق ولغة راقية.
وقد تناولت في كتابها “ما رآه القلب” قراءات في إبداعات معاصرة مجموعة قراءات ليس نقداً وفق مقاييس نقدية مسبقة ولم تصنف ما ورد في نصوصه في خانة النقد كما قالت الأديبة لا تعدو أن تكون إضاءة أو تعبيراً عن الانطباع الوجداني والتحريض الجمالي، الذي أسبغته بعض النصوص الإبداعية حيث تناولت النصوص بلغة شعرية أقرب للنثر ووضعت لمساتها الإبداعية على نصوص مثقفين وأدباء كبار.
أما في الشعر فقالت: أنا غادة الأمنيات الحيارى، أنا مهرة صاغها الحب نار فتونُ، أفكك أزرار هذي المعاليق، أطوي المسافات، أطوي..، تجيء إلى الفيافي، أحبُّ..
أمشط شعث الغيوم، أوزعها حيث شاء الجنون، فتهمي السماء نجوماً ويرقص خصر، و ينداح عطرٌ..
فكان شعرها نجوى روحها سكبت فيه أنين وجع حفرته السنين خطوطاً على وجنتيها ليكون رجع نفس عانت ما عانت من الحياة فرسمت دربها بروح مقاتلة لا تقبل الاستسلام.
الأديبة “غادة اليوسف” من مواليد “حمص” عام 1955، عملت قاضية مستشارة حالياً متقاعدة، وعضو في اتحاد الكتّاب العرب وفي جمعية القصة والرواية، صدر لها 12 كتاباً بين القصة والشعر والنقد والبحث الاجتماعي والقانوني، وتناولت فنّ المقال والمراسلات.