الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
لا شك في أن نزعة التمرد والتحدي، والثورة على الأفكار البائدة والأشكال الجامدة، والنفور من العادات والتقاليد البالية، هي المنطلق الذي تدفق منه شعر نزار قباني، والصفة الأساس التي بقيت تلازمه في جميع مراحل تطوره. فهو يؤمن «إن كل كلمة يرسمها الشاعر على ورقة هي لافتة تحدٍّ في وجه العصر، وإن الكتابة هي إحداث خلخلة في نظام الأشياء وترتيبها، هي كسر قشرة الكون وتفتيتها».
ونظراً للأهمية التي تمتع بها نزار قباني كشاعر، امتاز شعره بالجمال الذي انعكس على لغته الشعرية، وصوره، وأخيلته، وإيقاعاته، إلى جانب انخراطه في قضايا أمته الوطنية، وتفاعله معها مباشرة، منطلقاً من حسه الوطني العالي، وعروبته المتجذرة في نفسه، فقد صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن سلسلة «أعلام ومبدعون» الكتاب الشهري لليافعة «نزار قباني»، وهو من تأليف: د. «نزار بريك هنيدي».
المولد والنشأة
ولد الشاعر نزار قباني في ٢١ آذار عام ١٩٢٣ في بيت دمشقي قديم يقع بين حيّ الشاغور، وحيّ مئذنة الشحم، وعاش طفولته فيه.
كان والده «توفيق» يملك معملاً للحلويات في زقاق «معاوية» ينفق منه على أبنائه وتعليمهم، كما يشارك في تمويل الحركات الشعبية التي انطلقت في المدن والأرياف السورية لمقاومة الاحتلال الفرنسي البغيض.
أما والدته فهي السيدة الدمشقية الأصيلة «فائزة آقبيق» الميالة إلى النزعة المحافظة في المعتقدات والسلوك كأغلب نساء دمشق في ذلك الزمن، وعليه فقد كان قباني ميالاً إلى تفكير والده الثائر المتمرد أكثر من ميله إلى تفكير أمه التقليدي.
في السابعة من عمره، التحق «نزار قباني» بمدرسته الأولى (الكلية العلمية الوطنية)، وتتلمذ في هذه المدرسة على يد صفوة من رجال المعرفة والأدب والفكر، وكان منهم شاعر الشام المشهور «خليل مردم بك» الذي عمل على زرع محبة الشعر في نفوس تلاميذه.
اختبر «قباني» خلال مراحل دراسته عدداً من الخيارات قبل أن يهتدي إلى الطريق الأمثل لانطلاق موهبته، فقد جرب الرسم بدايةً، إلا أنه شعر أن رسوماته لا تكفي لنقل ما تجيش به نفسه إلى الآخرين، ثم استولى عليه هاجس الموسيقا، إلا أنه سرعان ما شعر أنها لا تتناسب أيضاً مع نوازعه وطموحاته.
في السلك الدبلوماسي
أنهى شاعرنا دراسته الجامعية أثناء سنوات الحرب العالمية الأولى، وحصل عام ١٩٤٥ على الإجازة في الحقوق من جامعة دمشق، ثم انضم مباشرة إلى السلك الدبلوماسي السوري، وعُيّن ملحقاً في السفارة السورية في القاهرة، وقضى فيها ثلاث سنوات، تولى بعد القاهرة مناصب دبلوماسية عدة، في تركيا ولندن وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد والدنمارك والصين وإسبانيا، إلا أن أهم تجربتين في حياته الدبلوماسية هما تجربته الإنكليزية، وتجربته الإسبانية، بسبب الآثار العميقة التي تركتها هاتان المرحلتان من حياته في شخصيته وشعره.
في عام ١٩٦٦ اتخذ قباني قراراً بتقديم استقالته من العمل الدبلوماسي، والعودة إلى بيروت، والإقامة فيها، وتفرغ هناك لعمله الإبداعي، ودار النشر التي أسسها باسمه لتنشر مجموعاته الشعرية، وكتبه النثرية.
ولادة القصيدة الأولى
كتب الشاعر «نزار قباني» قصيدته الأولى حينما كان في السادسة عشرة من عمره، أثناء رحلة كشفية بحرية من بيروت إلى إيطاليا، شارك فيها مع أصدقائه الطلاب في صيف عام ١٩٣٩.
وراحت قصائد الشاعر الشاب تتوالى بعد ذلك، كما راحت موهبته تتفتح وتنمو، مستفيدةً مما اختزنته ذاكرته من روائع قصائد التراث التي حفظها، إضافة إلى ما قرأه لعمالقة الشعر العربي في النصف الأول من القرن العشرين، وما تركته قراءاته للأدب الفرنسي في (الكلية العلمية الوطنية) من أثر في نفسه، وبدأ حينها يسعى إلى نشر قصائده في الصحف والمجلات التي كانت رائجة آنذاك.
نشر مجموعته الشعرية الأولى «قالت لي السمراء» في أيلول عام ١٩٤٤ على نفقته الخاصة، وكان قد كتب لها الأديب الدمشقي المعروف «منير العجلاني» مقدمة احتفالية، أدهش شاعرنا عبر مجموعته هذه جمهور القرّاء الذين واجهوا مجموعة حملت عنواناً مختلفاً عما ألفوه، وكُتبت بلغة عصرية تستمد كلماتها من شفاه الناس أكثر مما تستخرجها من بطون المعاجم والكتب الصفراء، وحملت مشاعر حيّة وأشواقاً حارة، وصوّرت نساء من لحم ودم.
وفاته
توفي الشاعر «نزار قباني» في ٣٠/٤/١٩٩٨ عن عمر ناهز ٧٥ عاماً، ودفن في دمشق، تنفيذاً لوصيته التي كتبها بخط يده وهو على فراش الموت، وقال فيها: «إنني أرغب في أن يُنقل جثماني إلى دمشق، ويُدفن فيها في مقبرة الأهل، لأن دمشق هي الرحم الذي علّمني الشعر، وعلّمني الإبداع، وأهداني أبجدية الياسمين، هكذا يعود الطائر إلى بيته، والطفل إلى صدر أمه».
التاريخ: الثلاثاء12-1-2021
رقم العدد :1028