الثورة أون لاين – تحقيق هيثم يحيى محمد:
يبدو أن مدة عشر سنوات ليست كافية للجهات الحكومية ذات العلاقة حتى تتخذ القرار اللازم لمعالجة أسباب تعثر وتوقف مشروع صناعي (حيوي) في طرطوس يوفر أكثر من ألف وأربعمئة فرصة عمل، وبالتالي نخشى أنها قد تحتاج لفترة مماثلة لتحسم الأمر وتضع هذا المشروع في الخدمة وفق ما ورد في قرار ترخيصه الصادر عن هيئة الاستثمار السورية برقم 165/م.س لعام 2008 وقرار التمديد رقم 6/م.س.ط/1 لعام 2018..!!
لقد وصل مستثمر وصاحب هذا المشروع لحالة من الإحباط واليأس بعد أن بنى مشروعه بأحسن المواصفات العالمية وورد جزء من آلاته ومعداته، وبدأ إنتاج الأحذية الرياضية النصف مصنعة، ثم توقف بعد عام من أجل استكمال المبنى عبر التوسع الأفقي وتوريد بقية الآلات للتصنيع الكامل، ليدخل في رحلة عذاب ومعاناة في طرطوس والعاصمة دون تحقيق أي نتيجة حتى الآن تحت حجج غير مبررة وغير مقبولة رغم الأمل الذي عاشه بعد تشكيل لجنة من قبل مجلس الوزراء في نهاية 2019 مهمتهما معالجة المشاريع الخاصة المتعثرة ومن ضمنها مشروعه.
قضية مزمنة..
في تحقيقنا لهذا اليوم نتوقف مجدداً عند بعض تفاصيل هذه القضية المزمنة التي ما زالت تنتظر الحل، ونبدأ من صاحب العلاقة المستثمر كمال أحمد الذي يقول إنه أقام في قرية يحمور بين عامي 2008 و 2010 مصنعاً لتصنيع الأحذية الرياضية وأنه اضطر للتوقف عن العمل بسبب عدم الموافقة على توسيع بناء المصنع ليستوعب خطوط مراحل العمل الثلاث بعد أن عمل لمدة سنة على خط المرحلة الأولى (نصف مصنّع) بشكل تجريبي, وطالب بإصدار الموافقة اللازمة تنفيذاً لما سبق ووافقت عليه اللجنة الإقليمية بخصوص الوجائب ونسبة البناء حتى يتمكن من إكمال البناء وتوريد بقية خطوط المصنع، ومن ثم للإقلاع بتصنيع نحو مليون ونصف مليون زوج من الأحذية الرياضية المتميزة في العام الواحد عبر تشغيل 482 عاملاً في الوردية الواحدة.
اجتماع بالمحافظة..
وأضاف بعد أن طرحت قضية هذا المعمل في اجتماع غرفة تجارة وصناعة طرطوس عام 2018 أمام المحافظ، وبعد أن أثارتها صحيفة الثورة تم عقد اجتماع في المحافظة ضم المعنيين من جهة وأنا كمستثمر من جهة ثانية، ترأسه حيدر مرهج أمين عام المحافظة وضم كلاً من عمار علي مدير الصناعة وهيثم مصطفى مدير فرع هيئة الاستثمار وعلي الموعي المستشار القانوني السابق للمحافظ والدكتور فيصل الدايري رئيس دائرة التخطيط العمراني في الخدمات الفنية السابق، وخلال الاجتماع تم الاطلاع على كافة المعطيات المتعلقة بهذا المشروع والأسباب التي أدت لتوقفه وخلص إلى عدة مقترحات من أجل استكماله والإقلاع به وفق الطاقة المرخص على أساسها، لكن رغم ذلك ورغم الدراسات التي أجريت من قبل نقابة المهندسين والتي أكدت عدم إمكانية التوسع العمودي على البناء القائم، فإن الجهات المحلية والمركزية لم تصدر أي قرار بالسماح لنا بالتوسع الأفقي وبالتالي ما زال المعمل متوقفاً.
بعض الحقائق..
وهنا أشير إلى أنني حضرت الاجتماع المذكور بناء على دعوتي إليه كصحفي كتب ما نشرته صحيفة (الثورة) عن المشروع وفيما يلي بعض الحقائق التي خرجنا بها في نهاية الاجتماع:
الخطوات والمحاولات الأولية لإقامة المصنع على العقار (43) في يحمور بدأها المستثمر منذ عام 1997 أي قبل وضع المخطط التنظيمي للقرية بما في ذلك موقع المصنع, وكان من ضمن تلك الخطوات قيام عدة وفود من الجهات العامة المعنية ومن شركائه الصينيين بزيارة الموقع.
في عام 2000 حصل المستثمر على قرار من هيئة الاستثمار السورية لإقامة مصنع أحذية رياضية قماشية بنعل مطاطي مع شركاء صينيين وفق قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1990، لكن عند إعداد المخطط التنظيمي للقرية فوجئ بلحظ ملعب في العقار بدل معمل، وبعد الإعتراض والمراجعات واقتراح مجلس بلدية يحمور
تم تعديل الصفة من ملعب إلى مصنع أحذية رياضية، وبعد ذلك اعترض على وضع طريق وسط العقار وتم الأخذ باعتراضه وأزيح الطريق من العقار وكان ذلك من باب دعم إقامة المصنع من قبل اللجنة الإقليمية والمحافظة.
حددت نسبة البناء على العقار بنسبة 35% وزيدت إلى 43% وعلى أساس ذلك حصل على رخصتين بالبناء من بلدية يحمور, وبعد ذلك ورغم المطالبات المتكررة للمستثمر واتخاذ قرار (اقتراح) من مجلس بلدية يحمور برفع النسبة إلى 70% لم يتخذ القرار اللازم بهذا الخصوص في المحافظة، وبالتالي لم يسمح للمستثمر باستكمال بناء المصنع ولم يتم توريد خطوط الإنتاج وتوقف عن العمل واضطر إلى تسريح الستين عاملاً الذين كانوا يعملون في المعمل.
التعاطف مع إقامة المصنع من قبل السلطات المحلية لم يقترن بخطوات عملية كافية بعد تعديل الصفة التنظيمية ونقل الطريق وبناء المصنع رغم كل الكتب والشكاوى التي تقدم بها المستثمر للمحافظ ورئاسة الوزراء والتفتيش على مدى عدة سنوات.
تم الاتفاق في ختام الاجتماع على أهمية وضرورة استكمال المصنع وتوريد بقية الخطوط والإقلاع بالعمل، وتقرر تشكيل لجنة فنية متخصصة لدراسة إمكانية التوسع عمودياً، حيث إن التعليمات تسمح بذلك وإذا تبين للجنة أنه لا يمكن التوسع عمودياً على البناء القائم فسوف يتم رفع مذكرة لرئاسة مجلس الوزراء من المحافظة من أجل الموافقة استثنائياً على التوسع الأفقي في المصنع.
التوسع العمودي غير ممكن..
بعد هذا الاجتماع شكل المحافظ لجنة فنية من نقابة المهندسين ودرست البناء وخلصت إلى التأكيد على عدم إمكانية التوسع العمودي وخاطبت المحافظة بذلك عبر نقابة المهندسين وبدورها قامت المحافظة بمخاطبة الجهات المركزية ذات العلاقة بذلك.
لجنة حكومية..
في هذه الأثناء ومع كثرة الشكاوى المقدمة للحكومة حول تعثر وتوقف الكثير من المشاريع الخاصة في طرطوس وغيرها شكل مجلس الوزراء بالقرار 2067 تاريخ 19-11-2019 لجنة وزارية برئاسة وزير السياحة وعضوية بعض المحافظين ومعاوني الوزراء، حددت مهمتها بوضع آلية لمعالجة المشاريع الاستثمارية المتعثرة العائدة للقطاع الخاص في المحافظات ومتابعة حل مشاكلها العالقة لدى الوزارات المعنية.
وقد عقدت اللجنة عدة اجتماعات وطلبت من المحافظين والوزراء المعنيين موافاتها بكل الوثائق المتعلقة بهذه المشاريع، وفعلاً تم موافاتها لكن حتى الآن لم تتمكن من معالجة الأسباب التي تقف وراء تعثر هذا المشروع أو ذاك، ومنها مشروع الأحذية الرياضية لأسباب تتعلق بأصحاب القرار في الجهات المعنية ولعدم قيام مجلس الوزراء باتخاذ القرارات اللازمة بناء على مقترحات اللجنة.
وخلال تواصلنا مع وزير السياحة محمد رامي رضوان مرتيني رئيس اللجنة وسؤاله عن مدى تنفيذ اللجنة لمهامها، أكد أن اللجنة قامت بعملها على أكمل وجه والباقي للمعالجة بمسؤولية الوزارات المعنية والوحدات الإدارية، وعندما قلنا له صحيح أن اللجنة لم تقصر لكن الصحيح أيضاً أن المشاريع ما زالت متعثرة، ولو أن الوحدات الإدارية والوزارات قامت بمسؤوليتها وعالجت وضع هذه المشاريع لما تم تشكيل لجنتكم..! لذلك طلبنا تزويدنا بالكتب المرسلة من قبل اللجنة للوزارات فوعد بذلك لاحقاً.
أما بخصوص مصنع الأحذية الرياضية موضوع هذا التحقيق فقد وضع بين أيدينا عدة كتب موجهة لوزير الإدارة المحلية ومنها الكتاب رقم 200/ص تاريخ 16/9/2020 والذي جاء فيه التالي:
إشارة إلى قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم /2067/ تاريخ 19/11/2019 القاضي بتشكيل لجنة لوضع آلية لمعالجة المشاريع الاستثمارية المتعثرة للقطاع الخاص في المحافظات ومتابعة حل مشاكلها العالقة لدى الوزارات المعنية.
وإلى كتاب وزارة الادارة المحلية والبيئة رقم 2690/ ز /3/ د تاريخ 27/7/2020 المتضمن الرد على كتاب وزارة السياحة رقم /2413/ تاريخ 4/6/2020 بخصوص الطلب إلى مجالس المدن والوحدات الإدارية لدراسة واقع المشاريع المتعثرة والعائدة ملكيتها لها.
ومن ضمن المشاريع التي تضمنها كتابكم آنف الذكر مشروع إنتاج الأحذية الرياضية في محافظة طرطوس والعائد بملكيته للسيد كمال محمود أحمد والذي بلغت نسبة إنجازه 43% ويحتاج توسيع إلى ما يقارب 72% من مساحة العقار (وفق ما ورد في الجداول المرفقة والواردة من محافظة طرطوس)، وهو الأمر الذي يتطلب استثناء من نظام ضابطة البناء كون المنطقة سكنية.
وإشارة إلى مهمة اللجنة في إيجاد آليات لمعالجة تعثر المشاريع الاستثمارية بالتعاون مع الوزارات المعنية يرجى عرض مشروع إنتاج الأحذية الرياضية على اللجنة الإقليمية لبيان إمكانية منح موافقة استثنائية من نظام ضابطة البناء، كون المشروع الصناعي المذكور سيؤمن المزيد من فرص العمل.
ليس من اختصاصنا..
وزارة الادارة المحلية ردت على هذا الكتاب بكتاب جاء فيه: إلى وزارة السياحة: إشارة إلى كتابكم رقم 200/ص تاريخ 16/9/2020 حول مشروع إنتاج الأحذية الرياضية في محافظة طرطوس نبين أن هذا الموضوع تتم معالجته وفق الأسس والإجراءات المنصوص عنها في المرسوم التشريعي رقم /5/ لعام 1982 والذي تختص بتطبيقه وزارة الأشغال العامة والإسكان.
أما محافظ طرطوس رئيس اللجنة الإقليمية فقد خاطب لجنة المشاريع المتعثرة وقال في كتابه بخصوص هذا المشروع:
المستثمر كمال محمود أحمد جدي في استكمال المصنع ويرغب بذلك مع تعهد بتنفيذ المشروع خلال /3/ سنوات، على أن يكون نسبة من العمال من ذوي الشهداء والجرحى ونسبة البناء 43% ويحتاج توسيع إلى ما يقارب 72% من مساحة العقار – تركيب الآلات خط نصف مصنع متوقف من عام 2012 .
وأضاف: المعالجة مركزية وتحتاج إلى استثناء من ضابطة البناء في المنطقة كون المنطقة سكنية والنسبة المسموحة 40% حيث تم عرضه على اللجنة الإقليمية أكثر من مرة ولم يقترن بالموافقة.
طريق مسدود.. واستعداد للتبرع بالمصنع
المستثمر الذي يتابع عمل اللجنة والمراسلات المتبادلة وينتظر قرار معالجة تعثر وتوقف مصنعه على أحر من الجمر شعر أنه عاد للمربع الأول حيث قال إن إعادة الأمر إلى اللجنة الإقليمية يعني أنه لا أمل بالحل في ضوء إصرار اللجنة سابقاً على موقفها وعلى رأيها المتضمن
وجوب صدور استثناء من السلطات المركزية يقضي بزيادة نسبة البناء الى 73%.
تجديد الشكوى..
في ضوء ما تقدم عاد وتقدم إلينا بشكوى جديدة أكد فيها وجود من يضمر شراً بالمشروع ولا يريد له العمل وأعلن استعداده للتبرع به للدولة حيث قال: بما أن قصدي -أنا وأفراد أسرتي المشاركين بالمشروع- من إقامة هذا المشروع هو تقديم ما نستطيع خدمة للمجتمع والوطن، فإنه يؤلمنا أن يظل المشروع عاطلاً عن العمل، لذلك نعلن رغبتنا بتقديم المشروع بكامله جاهزاً بآلاته الموجودة (هبة) إلى سيادة الرئيس رمز الوطن ليكتمل المشروع بتوجيهاته لصالح الوطن هذا المشروع الذي يمكنه العمل بثلاث ورديات لإنتاج أربعة ملايين وخمسمئة ألف زوج سنوياً، وتشغيل 1446 عاملاً في ثلاث ورديات، لأجل التصدير والسوق المحلية نظراً لأن خطوط الانتاج المصممة له بإمكانها صناعة الموديلات الحديثة المتطورة والمنوعة وبجودة عالية تنافس الماركات العالمية المشهورة من حيث تنوع الموديلات وأصناف الأحذية والجودة والأسعار.
هذا إن أكملت الدولة المشروع بحسب الترخيص من هيئة الاستثمار السورية لأنه أملنا أن نرى المشروع يعمل خدمة لأهالي المنطقة والمحافظة وعوائل الشهداء وليكون رافداً من روافد اقتصاد الوطن، وإن لم يكن ذلك ومنحنا سيادته الترخيص اللازم فإننا جاهزون للمباشرة بالعمل لتحقيق الغاية من المشروع أنا وأفراد أسرتي الذين بنوا المشروع بسواعدهم وبمساعدة وتوجيه كبرى الشركات الصينية.
وإن رغبت الدولة بالمشاركة العادلة فنحن جاهزون لأي حل يرونه مناسباً لتشغيل المصنع وإن لم يتم الأمر فأمرنا لله.
أخيراً..
ماذا يمكن القول بعد كل ما تقدم سوى التأكيد على أن معملاً بهذا الحجم والأهمية يجب على أصحاب القرار في الحكومة ألا يبقوه متعثراً ومتوقفاً كل هذه السنوات وبالتالي عليهم أن يتخذوا القرار اللازم باستكماله وتشغيله سواء من قبل المستثمر أم من قبل جهة عامة في الدولة وفق الصيغة التي طرحها صاحبه وبما يتناسب مع الدراسة الاقتصادية التي على أساسها تم تشميله بقانون الاستثمار رقم 8 لعام 2007 حيث أنه سيوفر مئات فرص العمل لأبناء المحافظة