حين تنتفض وترفع رأسها متمردة.. تحرك فينا نحن عاشقي المسرح بسلوكها ركوناً لن نعتاده ونحن نعارك تلك العروض المتراكمة في أذهاننا، وغالباً تقودنا نحو طرق مغايرة في الحياة…
كان وقتاً مختلفاً… ما ان تبدأ خطواتك بالتحرك باتجاه خشبة تزيل عنك كل ما علق من عفن خارجي، كأنك تغادر إلى رحلة، تمكنك من التخلص من ذاتك ولو إلى حين..
شيء ما في هذه العتمة، والستارة تبدأ بالارتفاع، يجعلك تتأمل بصمت كل ما يدور، وتسقطه على لحظاتك سواء القيمة منها، أو حتى المهترئة بفعل أحداث تخرج فيها عن سيطرتك.
مع تتابع الأحداث.. تشعر كأنك تنفض الغبار عن أوقاتك، تحاول تحديثها، من خلال نظرة وجودية لها عمق مختلف عن الآنية والسطحية التي باتت من أهم سمات عصرنا، عبر تلك العروض التي كنا نحضرها بل ونجوب البلدان بحثاً عن القيَم منها، كنا نبحث عن معنى آخر.. عن خلاص.. عن وقت لم نعد له، ولن نتخطاه يوماً.
هل أخطأت تلك العروض في خياراتها؟ هل ابتعدت عنا..؟
أو هل فقد صناعها بوصلة واقعنا.. حين اعتمدوا على نصوص واقع آخر.. فقفزوا إليهم.. دون أن يمسكوا بأيدينا كي نتقدم سوياً إلى أرض ستكون بذورها لنا.. وغرسها سيثمر.. وسنعيش مع جريان نهر لن تنضب ماؤه يوماً..
لا يمكن أن نقول إنها تساؤلات لم يقترب منها مسرحنا العربي.. الذي اعتنى جيداً بعروضه من خلال أسماء امتلكت فرادة لا تنسى.. ولكنها بقيت مجرد محاولات فردية.. لم تتبناها هيئات أو تمولها مؤسسات..
وتراكم المشكلات جعل مسرحنا يغرق فيها فلم تنفع معها تلك المهرجانات مع الأضواء المؤقتة التي أشعلت الصالات لساعات ثم أطفئت… وبتنا نعود إلى الذاكرة البعيدة.. حين نقتنص فرصة الحديث عن عرض مميز..
ونحن نحتفل كل عام في العاشر من شهر كانون الثاني بيوم المسرح العربي ندرك أن أضواءه ستلمع بين حين وآخر… ولكننا سنشعر أن شظايا مسرحية منفلتة في أماكن عدة.. على خشبات بادرة تفتقد لحرارة وأرواح بشر آمنوا يوماً أن مسارحهم ستصنع المختلف..
رؤية- سعاد زاهر