لعل العمل الاستثماري كان المحاولة الأكثر تسجيلاً من غالبية الجهات العامة مهما كانت طبيعة عملها إدارية أو اقتصادية، ولم تخرج المنشآت والجهات الرياضية بشكل عام عن هذه المحاولات.
وعلى الرغم من محاولات الاستثمار التي باشرتها الجهات العامة، إلا أن الصفة المشتركة الأكثر بينها هي عدم تأثير الناحية الاستثمارية على عملها وما تقدمه من خدمات للمواطن، بتشميل مبانٍ مثلاً أو نواحٍ من عملها ليس لها تماس مع المواطن.. وفي ذلك منطق لا يرفضه أحد.
ولكن المشكلة في الاستثمارات التي طرأت على المدن والملاعب الرياضية أنها زاحمت المواطن في حياته اليومية، واقتطعت غالبية المساحة (المكانية والمعنوية) التي كانت له، ما يعني أن “هوس” تسجيل الإيرادات تحقق بحده الأدنى على حساب المواطن بشكل مباشر..
من يزر المدن الرياضية اليوم وتحديداً مدينتي الجلاء والشباب الرياضيتين، يشاهد من أمرهما عجباً.. فالتنظيم المحكم الذي بات اليوم نسياً منسياً بعد أن أصبح موظفو المطاعم والمقاهي والنوادي المنتشرة فيها هم المعنيون بأمرها، وهي عناية لا تتجاوز تنظيم دور السيارات الداخلة والخارجة و”متابعة” المواطن إن أراد التريّض في مساحات تصلح لركن سيّارة زبون..
لعل هذه الحالة وما خلقته من تراجع دور إدارات وموظفي المدن الرياضية وفي الوقت نفسه قلة عددهم، جعل واقعها سيئاً بشكل كبير، إذ لم تعد الصفة العائلية أو الرياضية عنوان رواد هذه الملاعب بل باتت أقرب لمقاصف التسلية، فالنراجيل منتشرة فيها بشكل كبير ومجموعات الشباب “غير المريحين” تسيطر بشكل كامل على أرضها، أما الألعاب الرياضية اليدوية البسيطة نفسها فمحظوظ الطفل الذي يجد فرصة ليلعب بها بين جحافل نوعية محددة من المراهقين معوجّي السلوك..
البارحة كانت مدينة الجلاء على موعد مع “كزدورة” بالسيارات ضمنها في الطريق الصاعد باتجاه الباب الأعلى (طريق الفيلات) بين عشرات الأطفال اللاعبين بالكرات دون أدنى رادع أخلاقي من الذات أو رادع قانوني من أي أحد، وهو أمر لا تتحمل مسؤوليته إدارة المدينة لغياب أي سلطة مؤازرة لبضعة عمال مُناط بهم رعاية مساحة تبلغ عشرات الكيلومترات المربعة.
إن كانت المساحات المقتطعة لمصلحة النوادي الاجتماعية والمطاعم قدر في مدننا الرياضية، فلا أقل من الحفاظ على ما بقي من مساحات بصفتها العائلية، وتدقيق نوعية الداخلين إليها ولو بالحد الأدنى.. فبعض الوجوه والسلوكيات لا تخفي نفسها بل تنمو وتزدهر في غياب المتابعة المرجو كونها من الجهات المعنية..
الكنز- مازن جلال خيربك