الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
“أرجو أن تتولى الملائكة إنقاذي من أصدقائي، أما أعدائي فيمكنني الدفاع عن نفسي ضدهم”، ينسب بعض المؤرخين تلك العبارة لنابليون بونابرت، وآخرون ينسبونها للملك لويس الرابع عشر، لكن السؤال هنا لماذا قائلها يرجو الملائكة لإنقاذه من أصدقائه؟.
لقد استخدمت “قسد” تلك العبارة أكثر من مرة في الآونة الأخيرة أثناء تقييم علاقتها مع الولايات المتحدة التي عمدت إلى وضعها مراراً وتكراراً في فرامة اللحم في الشرق الأوسط، رغم ما تعلنه على الملأ عن صداقتها مع “قسد”.
والآن حان دور تركيا لدفع ثمن استعراض المودة السابقة لواشنطن، إذ كان عليها ملاحظة التدهور السريع في علاقات الولايات المتحدة مع أنقرة منذ وقت طويل، فبعد توظيف تركيا كجناح قتالي لحلف شمال الأطلسي ضد الاتحاد السوفييتي وانهياره في التسعينيات، بردت “المشاعر الودية “الأميركية تجاه أنقرة تدريجياً، وشهدت العلاقات الثنائية تراجعاً إثر ظهور اردوغان الذي أولى اهتماماً لتجسيد العظمة العثمانية لبلاده، في حين بذلت واشنطن المساعي لإبقائه مجرد أداة في لعبتها السياسية.
الجدير بالذكر أن تلك العلاقات باتت واهنة ومحفوفة بالمخاطر إثر محاولة الانقلاب للإطاحة بحكومة رجب اردوغان في تموز عام 2016، وفي ذلك الحين، اتهمت السلطات التركية الداعية الإسلامي فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة منذ عام 1999، بتقويض طموحات الرئيس التركي، ونستذكر في هذا المقام، أن ضحايا محاولة الانقلاب العسكري في تركيا ليلة 15-16 تموز بلغت ما يربو على 250 شخصاً، وأكثر من 2000 جريح، وفرضت السلطات التركية حالة الطوارئ التي كانت قد رفعتها في تموز 2018.
سُجن عشرات الآلاف من الأشخاص في تركيا، ومنهم عناصر في الجيش والشرطة وقضاة وصحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وممثلون عن النقابات، ورأت السلطات التركية أن الداعية غولن كان زعيما لشبكة “فيتو” الإرهابية، وقد وصف أردوغان القضية بأنها محاولة انقلاب سياسي، وعملية منظمة اشتركت بها وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي لإضعاف أنقرة.
وفي 26 كانون الثاني، نشر موقع “أحوال” للأخبار والتحليل بياناً أصدره الرئيس الأسبق لمديرية المخابرات العامة للقوات المسلحة التركية (2007-2012) إسماعيل حقي مفاده أن الحكومة التركية لديها أدلة على ضلوع الولايات المتحدة بالإعداد “لخطط اغتيالات” تستهدف قادة الرأي في تركيا، وخلال برنامج حواري عرضته قناة أولوسال التلفزيونية التركية، قال حقي عندما سئل عمن كان على قائمة الاغتيالات الأميركية بأنه “ثمة قادة رأي وإن أي محاولة لتصفيتهم ستقابل برد فعل سلبي من المجتمع التركي”، ولا ريب أن الولايات المتحدة تسعى إلى إذكاء النزاعات الداخلية في تركيا.
وفي مختلف الأحوال، فإن ثمة مؤشرات لمرحلة مظلمة ستشهدها العلاقات التركية – الأميركية إثر وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، الأمر الذي بدا جلياً منذ أسبوعين عندما وصف وزير الخارجية انتوني بلنكن تركيا، حليفة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، بأنها “شريك استراتيجي” وقد عرف عن بلينكن انتقاده لتركيا، إلا أن إشارته إليها بتلك العبارة حتى قبل توليه منصبه تشكل دليلاً بأن أنقرة ستواجه تحديات جمة في بناء العلاقة مع فريق بايدن.
علاوة على ذلك، فإن ما أثار حفيظة أنقرة قيام جو بايدن بتعيين ثلاثة مسؤولين آخرين رفيعي المستوى في إدارته وهم: الجنرال المتقاعد لويد أوستن وزيراً للدفاع، وروبرت ماكفريك، الممثل الخاص للرئيس الأميركي السابق لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي، منسقاً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بالإضافة إلى تعيين جيك سوليفان بمنصب مستشار بايدن للأمن القومي، وقد سبق لهؤلاء الثلاثة أن عبّروا عن انتقادهم لسياسات أردوغان، وأخيرا وليس آخراً، فإن ما أزعج أنقرة تمثل في فوز جو بايدن الذي انتقد تركيا مرات عديدة في السنوات الأخيرة عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، فضلا عن تبنيه ودعمه العديد من القرارات التي تتعارض مع مصالح تركيا.
وبتقديرنا ستواجه أنقرة في السنوات الأربع المقبلة أحلك الأوقات في علاقتها مع الرئيس الأميركي الجديد.
المصدر New Eastern Outlook
