تترك الحروب آثارها على الامم والشعوب, ترسم مجرى عميقاً من الآلام والمعاناة, وتفرز الغث من السمين, تظهر المعادن الحقيقية التي تمتحن بما يجري من وقائع على الأرض, ومن الطبيعي أن تكون المعادن متلونة متنوعة من (التنك) إلى الذهب, ولن نذهب بعيداً إذا ما قلنا: إن العدوان المستمر على سورية الحضارة والثقافة والدور والموقف العربي المشرف, قد أحدث مثل هذا الفرز الذي تظهر تجلياته, معدناً أصيلاً من الوفاء والقدرة على الصبر والمصابرة, والتضحية والبذل والعطاء.
فما من بيت سوري, إلا وارتقى منه شهيد, ودفع ثمناً غالياً من أجل الكرامة, هذا طابع يسم السوريين معظمهم, لكن ثمة من طفا على السطح, أظهر أنه خارج القيم والأخلاق, لا يعرف إلا الاستغلال والجشع بلا حدود, تمترس هؤلاء وراء الكثير من القشور التي تحميهم من العقاب, ولن نختبئ وراء أصبعنا ونقول: إنهم في طور التراجع, لا, على ما يبدو أنهم مستمرون بكل صفاقة في امتصاص مقدرات الشعب السوري, كل ساعة ثمة ابتكارات بأساليب الغش والتدليس والاحتكار, والمتاجرة بقوت الناس الطيبين.
وثمة مؤسسات يجب أن تقوم بدورها الرقابي, لكنها خارج الواقع وخارج الفعل, تصريحات نارية (سنقطع وسنضرب وسنفعل) وعلى أرض الواقع التاجر المخالف هو الذي يضرب ويفعل, هو من يحدد المسار, ويعرف كيف يتصرف, والدليل على ذلك ما نحن فيه من غلاء يصل حد القول إننا نمارس حرب إبادة ضد أنفسنا, ولا رادع يقف تجاه ذلك (لا شعار زكاتك خفض أسعارك ولا ما يشابهه).
هل نذكر تجارنا بما جرى ذات يوم في ألمانيا, سيدة تقف بالدور, تجاوزها رجل أمسكت به قائلة: بشرف وكرامة, ولكن للأسف نقول _ إننا نخسر الأخلاق _ نخسر ما تحلينا به, ومن يعول على أخلاق وضمير الكثيرين من التجار, لهو مخطئ, وواهم, انتهت حلول الضمير, ولابد من حلول الضرب بيد من حديد, وعدم الرأفة بمن يأكل حتى ثمن رغيف الخبز.
كلمة الموقع – ديب علي حسن