حاولت أن تمشي إلى الخلف دون أن تنظر، حين سمعت صوت نباح كلب غالباً يتمشى في الحي، معتقداً أنه يملكه، ويستغرب وجود هذه الكائنات البشرية، خافت قليلاً، وتسمرت في مكانها، إلى أن مشى أمامها وعبر الطريق بهدوء، حين اقترب بدا لها مسكيناً، يمكن لأي كان أن يستبيحه..!
حينها كفت عن الخطوات الخلفية، معلنة فشل تجربتها، في الواقع لن يكون لديها خيار أن ترى أن الانكفاء إلى الخلف قد يعيق تقدمها، ستجرها الظروف حتماً إلى تلك الأمكنة الاعتيادية، وكلما حاولت المقاومة سيشتد الخناق عليها، حتى تشعر أن كل تلك الحبال التي أفلتت منها يوماً، تعود دفعة واحدة، وتنغرس في كل أمكنتها المفضلة معيقة إياها عن الانفلات نحو أي حلم، حتى الأحلام أصبحت موءودة.
أي سحر في كل هذا..؟!
بالطبع ليس سحر الاستسلام.. ولا أن تقاوم هذا كله..!
إنه يكمن.. في أن تعاود تفكيك كل ما ركبته يوماً في ظرف مريح، و لكنك في المقابل حصلت على نتائج وطاقة سلبية..
بينما جلست على الأرض وحاولت قطف بعض الحشائش الخضراء التي سمعت يوماً عن فائدتها، تبادر إلى ذهنها كل النسوة اللواتي يقطفن الخضار ومن ثم يحملن سلالهن ويجلسن في تلك الأسواق التي ما زالت تدعي أنها تبيع منتجاتها البكر…
الحشرة الغريبة التي تشبه (أم أربع وأربعين) كانت تمشي وسط الحشائش كأنها تملك الكون غير آبهة بأي شيء.. شعرت بالغيرة، ولكنها تذكرت أنه يمكن لأي كائن أن يقوم بدهسها دون أن يشعر أنه فعل شيئاً..
لم تعد تفكر بعودتها إلى الوراء.. ولا كيف ستتقدم إلى الأمام.. أيقنت أنك طالما في الحقل نفسه والحشائش نفسها تحيط بك من كل جانب.. سواء مشيت إلى الأمام، أم ناورت أثناء الرجوع، أم استوطنت الحقل.. أنت تعيد الكرة ذاتها بأشكال مملة.. وتدور في الفراغ، أشعلت الحطب وأمسكت بقهوتها المعدة مسبقاً، ونسيت كل شيء إلا هذه اللحظة..!
رؤية – سعاد زاهر