الثورة أون لاين – لميس علي :
في مقال يتحدث فيه صاحب “لوليتا” ، الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف عن القارئ يقول : (بالمناسبة ، أنا أستعمل كلمة “قارئ” بشكل فضفاض جداً . الغريب بما فيه الكفاية ، أن الشخص لا يستطيع قراءة الكتاب ، بل يستطيع فقط إعادة قراءته ، القارئ الجيد ، القارئ العظيم ، القارئ النشط والخلاق هو قارئ يعيد ما يقرأ) ..
بمعنى يعيد تشكيل النص وفق رؤياه .
بحسب مكسيم دوكوو في كتابه (مديح القارئ السيىء) ثمة أنواع للقرّاء .. فمنهم القارئ الجيد وآخرون ضمن فئة “القارئ السيئ” .
برأيه ، القرّاء سيئون لأنهم يقرؤون على طريقتهم الخاصة ، كلٌ حسب أسلوبه في التعامل مع النص الذي أمامه .. وهؤلاء لا يتفاعلون بفتور بل بحرارة مختلفة .. منهم من يتماهى مع النص أو البطل .
والفئة الأهم من هؤلاء السيئين أولئك الذين يقرؤون ذواتهم من خلال النص وبالتالي هم لا يتماهون مع النص مقدار ما يقرؤون ذواتهم عبره .
وبعضهم قادر على اكتشاف نص آخر يوازي الأول .
عملياً ، وخارج إطار القراءة بمعناها الحرفي ، نحن نمارس فعل القراءة بشتى أشكاله الحياتية ..
نقرأ الأحداث ، الأشخاص وتصرفاتهم طوال الوقت ..
نصيب حيناً ، و نخطئ ، ربما ، أحياناً أكثر ..
هل ندرك أن عقولنا مبرمجة على فعل قراءة/استقراء لكل ما هو حولنا ، بالمعنى الحياتي اليومي ..؟
وكما لو أن كل ما يقع تحت نظرنا معرض لرادارات التلقي لدينا ، وبالتالي لإصدار حكم حوله ..
هل تساعدنا القراءة الحرفية ، قراءة الكتب ، على توسيع مدارك ومدارات قراءاتنا لكل الموجودات من حولنا ..؟
هل نُحسن قراءة المشاعر ..؟!
أنحتاج إلى مهارة من نوع خاص كأن نمتلك مستشعرات فائقة الذكاء قادرة على التقاط ذبذبات أو تموجات أفعال وبالتالي مشاعر الآخر ..؟
القراءة فعل واسع الدلالات والتأويلات .. بمعنى كل شيء من الممكن أن يكون معرضاً ليكون مقروءاً .. كما لو أنه نص .
وتبدو أكثر القراءات جاذبية قراءة ذاك النص الآدمي “الإنسان” .. كإمكانية قابلة لكثير من التأويلات ..
قراءة الآخر كنص مفتوح .. أو كنص عسير الفهم ..
يسهل فك إشاراته أو يصعب استنطاق دلالاته ، ربما أحيانا بدا نصاً كتيماً ، منغلقاً على ذاته .
من اللافت أن تكون قراءة الآخر كما قراءة الكتب ..
وعليه ، ثمة احتمال أن تتم قراءتك بالسبل السيئة التي تحدث عنها دوكوو .
بالمناسبة ، هو لا يطلق صفه “السيئ” لناحية سلبية ، على الرغم من دلالتها المباشرة في التوصيف السلبي لأي شيء .
ما يفعله دوكوو أنه يجعلها مخالفة لمعنى القراءة الجيدة غير الموجودة ، كما يرى .
دون نسيان ، أن قراءة الآخر/الأشخاص تنزاح بعض الشيء عن التوصيفات التي ذكرها دوكوو .
هل من الجيد أن يقرأ الآخرون ذواتهم من خلالنا ..؟!
أو أن تتم قراءتنا وكما لو أنهم يكتشفون ذوات جديدة فينا ، لم نكتشفها قبلاً ..؟
ويجوز العكس ، بمعنى أن نقرأ ذواتنا من خلال الآخر ..
أو أن نكتشف فيه ذاتاً حتى هو لا يدركها .. وهنا بالضبط يبدو فعل القراءة متعدد الأوجه والاتجاهات ..
وربما أوصلنا إلى ما ذكره الشاعر أدونيس مرة : “أنت لا تكرهني ، أنت تكره الصورة التي كونتها عني ، وهذه الصورة ليست أنا إنما هي أنت”