الآباء

كانت الندوة عن التشكيل السوري في راهن يومنا، ومع ذلك اختار الناقد العربي الضيف مدخلها بالحديث عن فكر فاتح المدرس من خلال اقتطاف بعض من الحوار الشهير الذي جرى بينه وبين أدونيس، غير أن بعض الحاضرين من الفنانين الشباب لم ينجحوا في التقاط الدلالة البليغة لهذا الاختيار، وذهب أحدهم إلى حد استهجان الحديث عن فاتح المدرس، في جلسة مخصصة للحديث عن الفن السوري الراهن..!

حدث هذا منذ عدة سنوات، وكان الناقد العربي يشير إلى الدور الملهم الذي لعبه المدرس بالنسبة لعدد مؤثر من الفنانين التشكيليين الذين يشكلون المشهد التشكيلي السوري اليوم، فقدم بذلك إجابة مسبقة لم يدركها فنان شاب تحدث بعده عن غياب (الآباء) بالنسبة للفنانين التشكيليين الشباب، مبرراً رأيه بانقطاع التواصل مع روادٍ لم يتح لجيله التعرف عليهم، فيما كان جيل السبعينات على تواصل مع جيل الستينات الذي سبقه وإلى ذلك، فما من متحف يضم أعمال الرواد، ولا كلية الفنون الجميلة تقوم بتدريس تجاربهم. مجدداً لسؤال جوهري سبق طرحه عدة مرات عن مفهوم الريادة الفنية، فالانطباعي ميشيل كرشة اعتبر من رواد الفن التشكيلي في سورية مطلع القرن الماضي، في الوقت الذي كانت فيه الانطباعية تشهد مرحلتها الأخيرة في أوروبا مفسحة المجال أمام مدارس واتجاهات جديدة في الفن الحديث، وخلص الفنان الشاب من ذلك كله إلى تبرير لجوء جيله (أو بعضه) إلى أباء بدلاء وجدوهم في الفن الأوروبي المعاصر، حين عز عليهم العثور على آباء أصليين..

ومن المؤكد أن في الطرح السابق ما يشير إلى أزمة الفن التشكيلي المعاصر في سورية، وخاصة لجهة الانتماء، فالفن التشكيلي السوري منذ بداياته الفعلية مطلع القرن العشرين (كما يتفق معظم الباحثين) أو قبلها بقليل (كما يرى بعضهم)، كان يسعى لتحقيق انتماءين بآن واحد، أولهما إلى بيئته وتراثه الثقافي، والثاني إلى الموقع الآني للفن العالمي، وفي حين أعتمد الرواد الأوائل كتوفيق طارق وميشيل كرشة الأساليب الغربية التي كانت لا تزال قائمة حينذاك كالواقعية والانطباعية، فإنهم حرصوا بالمقابل أن تكون مواضيعهم محلية، وحذا حذوهم الكثير من معاصريهم، وممن جاء بعدهم، بل أن محمود جلال قد أتجه نحو الكلاسيكية ليصور مواضيع مغرقة في محليتها، أما بالنسبة لجيل التجديد (جيل الحداثة)، أو ما يمكن اعتباره جيل الريادة الثاني، فقد اتجه رموزه نحو البحث في محلية الشكل أو الأسلوب إلى جانب الموضوع، فكان أن بحث فاتح المدرس في العلاقة بين الأرض والإنسان، ومحمود حماد في العلاقة بين شكل الحرف العربي ومفاهيم الفن الحديث، ونصير شورى بإمكانية تحول المشهد الطبيعي الانطباعي إلى تجريدية غنائية، ونذير نبعة بقدرة التراث الشعبي على أن يكون عملاً بصرياً معاصراً، وإلياس زيات في وصل ما انقطع من تراث فني ثري مع نتاج إبداعي معاصر، وأدهم اسماعيل في تجديد روح الخيط الزخرفي العربي..

إن هذه التجارب الرائدة – وسواها – قد انطلقت من مفاهيم فكرية، وفلسفة فنية جمالية، لا من براعة حرفية، ولهذا فإن التجارب التالية لها التي سعت لتقليد مظهرها الشكلي قد سكنت زوايا الاستنساخ فالإهمال، فيما التجارب التي استلهمت طريقتها في التفكير كانت قادرة على التجدد والابتكار، وفي إيجاد موقعها الخاص والمميز في مسار التشكيل السوري، وفي تاريخه لاحقاً.

إضاءات – سعد القاسم

 

آخر الأخبار
قلعة حلب .. ليلة موعودة تعيد الروح إلى مدينة التاريخ "سيريا بيلد”.  خطوة عملية من خطوات البناء والإعمار قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر