الثورة أون لاين-هفاف ميهوب:
“أنتَ جريح”.. معناها أن هناك نزفاً في عضوٍ من أعضاء جسدك، وأن هناك دماء تسيل وتحتاج لمن يوقفها، قبل أن يتقرّح جلدك.
“أنتَ جريح”.. معناها أن الألم غائرٌ ومتمكن من روحك. ألمٌ صامتٌ وربما صارخٌ، مع غصَّةٍ تخنقكَ وتأبى أن تغادر حنجرتك.
معناها أيضاً، أن حياتك عبارة عن حكاية ترويها بصمودِ مفرداتك، وصدق صورِ حياتك. حياة كلّ سوريّ أثبتَ بصبره ومواجهته لعدوّ أرضه، بأنه ابن غير ضال، وجنديّ يدافع عن بلدهِ بشجاعةٍ واستبسال، وبأنه ابن أرض الطُهر. أرض الأمومة الشريفة والمضحّية، رغم المعاناةِ والموتِ والقهر..
إنها حكاية فيلمٍ، نقول لكلِّ من شارك فيه، ساعياً لأن يجسِّد آلامه وآلامنا: “أنتَ جريح”، وهو ما قاله كلّ منهم أيضاً، لرجالنا وأمهاتنا وأبطالنا.
كيف لا؟!. ونحن جميعاً أبناء الوطن السوري الذي وقفَ كاتب الفيلم “قمر الزمان علوش” فوق جبال ساحله، ليطلّ على تفاصيل معركته؟.. ووقف على أبواب دمشق ومفارق شوارعها وأمكنتها، ليكون شاهداً موثّقاً، لما اقترفته الأيادي الآثمة من بشاعاتٍ، هزمتها الأيادي العظيمة ببطولاتها.
سرقت الحرب أحلامهم، فلم يتوقفوا عن الحلم بانتظارِ صحوٍ تشرق النهايات منه، لتبدو حياتهم أجمل وأكثر عافية، وليتغلبوا على المعاناة والصعوبات المتوالية. أيضاً، ليواجهوا الموت بالحياة، بطموحاتٍ كلّما واجهت عائقاً أخضعته بإرادتها، ومضت لا تلوي إلا على تحقيق ما تصبو إليه سوريتها.
يناديهم الواجب، فيلبّوه أبطال أوفياء لوطنهم وأرضهم، التي ولأنها بالنسبة لهم أغلى ما يملكون، يذودون عنها ويستبسلون.
يستبسلون لحمايتها، ولردِّ الإرهاب عنها، وبكلّ ما أوتوا من شجاعةٍ تدفعهم إلى تقديم تضحيات، شهدناها واقعاً، وجسدها الفيلم بأمانةٍ يشهد لها كلّ من عايش ما تعرَّض له هذا الوطن، على مدى الحربِ التي أنهَكت وأحرقت حتى الزمن.
أنهكت وأحرقت أيضاً، قلب الأم السورية، ودون أن تتوقف عن امتلاكِ رأيها، والإغداقِ من صبرها، وهو ما رسّخ لمكانتها وأكّد مقدار تضحياتها، خلال الحرب التي قدّمت فيها أبناء أثبتوا بأن الأوطان لا تركع ولا تُهزم، إن اتَّكأت على الأبطال من رجالها.
رأينا ذلك في الفيلم، حيث صلابة وقوة وجبروت الأم السورية. الأمّ الأشبه بالأمطار التي انهمرت واعدة بإحراق الحرائق الجنونية. الأم المتماسكة والراسخة كسنديانة لا تنهار، ولا تخشى أن تطيح بها العواصف أو أيادي العابثين حتى بالأقدار.
هي امرأة ترفض أن تكون عادية، تصبر وتشحذ الهمم، وتُخفي خوفها على أبنائها، وتسعى ما أمكنها لتكون كما عهدناها عبر التاريخ، أسطورة استثنائية..
يبقى الخونة، ولا مكان لهم لأنهم عابرون. لكن، من الضروري الإشارة إليهم، وفي كلّ الأعمال التي توثّق نتانة أخلاقهم المجرورة كما في “أنت جريح” حيث القاع الذي ينتظرهم.
نعم، يبقى الخونة والفاسدون، المتراقصون في أجواءٍ تلائم دونيَّتهم ومصالحهم وأحقادهم وأنانيّتهم.. أيضاً، الإرهابيون، ويمرّون مرور المأفون، الذي لعنته حياتنا مثلما متابعتنا.
هذا ما تابعناه على مدى عشر سنواتٍ من الحرب الإرهابية، وما تابعناه بالأمس في دار الأوبرا بدمشق، وخلال العرض الأول لفيلم “أنت جريح” الذي هو من تأليف “قمر الزمان علوش”، وإخراج “ناجي طعمي” وإنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ورعاية وزارة الإعلام، ومشاركة نخبة من نجوم الدراما والسينما السورية.