الثورة اون لاين – هفاف ميهوب:
كلّما اختلينا بالحنين، فتحنا باباً من أبواب الذاكرة، وألقينا نظرة محبِّة على صورنا القديمة.. توقّفنا لدى كلّ منها لنتأمّلها، وبشوقٍ يضطرُّنا لاستدعاءِ حكاياها، وسواء الفَرِحة أو الحزينة.
نرى طفولتنا، شقاوتنا، مغامراتنا، أحلامنا، انكساراتنا.. نرى الأمومة الأحلى، فنشيحُ عن كلِّ الصور الأخرى.. نبحثُ عن تاريخنا فيها، وعن تفاصيلنا التي تعانقها حياة، هي دفءُ المعنى وقداسة الجودِ الموجود في تفانيها.. لحظاتٌ وعيوننا لا تفارق ابتسامتها، كَبِرنا ومازالت مثلما في صِغَرنا، تُضمضمنا فنلوذُ بأمانِ مريمتها..
نمسحُ بغصةٍ ثم دمعة، ما تراكم على تلك الصورِ من سنواتِ الفراق، ومن ثمّ نحتضنها، ونلوبُ فقداً وافتقاداً لأناملها تكفكف غربتنا، وتزيلُ منها بعض الحزن، دون أن تزيل الاختناق.
لحظات نعيشها مع حكايا، نستدعي ما فيها من تفاصيل الذكريات المعطرة بغارِها وحبقها، نشعرُ بالوحشة واليتم والغربة، فينهمر الشوقُ شوقاً، يشعل القلب بنيرانِ فقدها.
نبحث عنها تباركنا وتقينا أحقاد وشرور عالمنا، ووحشة الأيام التي نعيشها وتتماهى ببشاعة حاضرنا.. تحمينا من غدرِ أبناءِ وطنٍ، علّمتنا كيف نصونه ونفتديه، معلنة وعلى مدى عشقها له: هو كرامتكم ولون عيونكم، خان الله عيون من يخونه، أو يغدر به، أو يتآمر عليه.
نبحثُ عنها، فإذ بها تتوسّد الغيبَ الذي غيّبها وما غابت.. توقظ الفقدِ الذي لا يرتدُّ ولا يردّها إلينا، بعد أن توحّدت فينا وتماهت.. نلتمسُ العزاء ولا عزاء، لطالما الراحلين منَّا إلى الوطن، جعلونا عشّاق له، وغادرونا وما زلنا، نردّد وصاياهم بأنه:
ذاكرةُ كان يا مكان، والمفرداتُ إنسان.. دفءُ الروح في ليالي صقيعها، وقلبُ أمٍّ ينبضُ، والنبضُ فيها وليدها.. المعنى وفيه الطُهر حقّ، وحقيقته في ذاكرتنا، وذاكرتنا بأمان دمشق.
المدينة التي سكنتها، فورثت عطرها وأناقتها.. تماهت فيها وما خافت، إلا عليها وكم كانت.. تلوذ فيها وتتغنّى، بمواويلٍ تتمنّى.. أن يحميها سرّها، هي الوصيّة وغيرها.. أن تتدثّر بأناها، وتتوسّد أرضٍ تهواها.