الثورة أون لاين:
الدولة بمفهومها السياسي هي أعلى وأرقى شكل من أشكال التنظيم التي تدير المجتمعات وتحفظها وتعمل على صونها والرقي بها.. ومفهوم الدولة له معان كثيرة سياسية واجتماعية وقانونية، وما يتبع ذلك من مسؤوليات وواجبات تحتمها البنية الوظيفية لها..
وأي مجتمع لا يصل إلى تنظيم دولته ليس إلا قبائل متناثرة لا قوة لها.. من هنا يجب طرح السؤال المهم.. لماذا تسعى قوى الغرب الليبرالية إلى تحطيم البنية القوية للدول والوصول بها إلى ما يسمى الدول الفاشلة… لا تعمل على تحطيم هيكلها التنظيمي تماما بل تتركه كأنه الفراغ الذي يجب أن يتم العمل على ملئه وسد الفراغ الذي وصل إليه..
هذا ديدن الليبرالية في حروبها الناعمة والخشنة ضد الدول… فما السر وراء ذلك؟
الدكتور عبد الإله بلقزيز في كتابه.. الحداثة والمجتمع.. جدليات التوحيد والانقسام.. يقدم جوابا واضحا وقاطعا لهذا التساؤل الذي يجب أن يجد جوابه، ولاسيما في هذه المرحلة التي نشهد فيها تزايد الهجمة الغربية على مؤسسات الدول التي لا تمضي في ركبها..
تصورها انها دول فاشلة وكأنها تريد وضعها تحت الوصاية من جديد، ولكن هذه المرة بخبث أكثر من السابق.
الدولة تحصِّن المجتمع..
يقول بلقزيز ص(١٢٣) الاوطان ليست حقيقة جغرافية وإنما هي حقيقة اجتماعية اقتصادية وسياسية، وأن الشعوب ليست مجموعات سكانية تقوم بينها علاقات القرابة والحوار، وإنما هي كيانات اجتماعية ملتحمة لعلاقات الاجتماع السياسي الجامعة لا بعلاقات القرابة الأهلية.. ولا تقوم بين الجماعات الاجتماعية روابط انصهارية تدمج بعضها في بعض وتصنع لها ماهية واحدة مشتركة ترتفع عن علاقات الانتماء الطبيعي.. لا يحدث ذلك إلا متى قامت بها المصالح المادية التي تخلق فيها ذلك النسيج الواحد المشترك.. وتجعل الواحدة نفسها تتعرف إلى نفسها في العلاقة بالأخرى.. أو لنقل تتعرف نفسها داخل الكيان الاجتماعي الذي يأخذ شكل شعب أو أمة أو جماعة وطنية..
والى الدولة لا الى الثقافة والقيم تعود وظيفة إنتاج تلك الشبكة الجديدة من العلاقات التي تعيد توزيع الأفراد والجماعات توزيعا اجتماعيا جديدا ضمن روابط متمايزة عن روابط النسب والدم والقرابة السابقة، وليست الوظيفة هنا أيديولوجية تدور في نطاق صناعة وعي جماعي.. إنما هي وظيفة اجتماعية وسياسية في المقام الأول.
وظيفة لا تنجح في الصهر والدمج الا من خلال إنتاج مصالح عامة تبرر للأفراد والجماعات الارتباط ببعضهم من خلالها والشعور الجماعي بالانتماء المشترك.. وتخلق لديهم الوازع الضروري للدفاع عن أنفسهم بوصفهم جماعة واحدة…
بهذا المعنى تنشأ فكرة الوطن والشعب الواحد…
وفعل الأيديولوجيا متوقف على وجود مصلحة مادية جماعية تبرره، أو على الاقل تسمح له بأن يحرث في أرض خصبة، والا فإن الأيديولوجيا وحدها لا تخلق شعورا معزولا عما يؤسس له ولكينونته..
ويخلص إلى القول : الأوطان والشعوب والأمم ليست حقائق قبلية مطلقة، وإنما حقائق تبنى بناء مستديماً من خلال التوليد المستمر للمصالح المادية التي تصنع بين الناس روابط فتدمجهم في وحدات اجتماعية، وتكون أناهم الجمعية.. هنا نقطة التقاطع أو التلاقي بين الاجتماعي الاقتصادي السياسي في عمل الدولة..
هذا كله عمل الدولة.. وحين تكون الدولة فاشلة سوف يأتي من يحل محلها.. والليبرالية الغربية تريد ذلك لتفكيك البنية الاقتصادية والمصالح المشتركة بين الناس وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر.. ليكون دور الحكومات العميقة في العالم حاضراً ويرسم المسار الذي يجب أن يكون وفق مصالح الغرب.. لهذا تحارب الليبرالية الدولة القوية وتعمل على تفكيكها