الملحق الثقافي:إيمان الحسن:
الفنّ لغةٌ عالميّةٌ، حروفها الألوان وقلمها الريشة.. لغةٌ تُقرأ بالبصرِ والبصيرة، وتترك أثراً يدوم ولا يتوقف، حتى بعد غياب المشهدِ البصريّ، تتسرّب تقاطعات اللون إلى مكنونِ اللاشعور، لتشكّل حالة جمالية شفيفة تملأ النفس.
هكذا أجد نفسي عندما أقف أمام اللوحة، أسافر في عوالمٍ لانهائيّة، أمتلئ بإحساسٍ لامثيل له، هو مزيجٌ من الدهشةِ والفرح، والإعجاب والخوف والرغبة بالمزيد..
ربّما لأنني أمتهنّ الفنّ التشكيليّ، لديّ هذا النسق اللامتناهي للعمل الفنيّ الذي يأسرني، أبحث في خطوطه عما يشبهني، وأحاول أن أقف طويلاً عند كلّ منعرج، وكلّ خطٍّ، ساعية إلى اكتشافِ ما وراء اللون.
في هذه السطور، أردت أن أرصد حالتي أمام العمل الفنيّ، وقراءاتي الخاصة له، قبل أن أتطرّق لفكرة قراءة العمل ونقده، وأنا أدرك أن تلك القراءة، أو ذلك النقد، من أكثر الإشكاليات في الفنّ التشكيليّ، حيث تتداخل النظريات، وتكثر الآراء وتتباين، وربّما تختلف بين مشاهدٍ وآخر. لكن، السؤال الدائم: من الذي يحقّ له توجيه النقد للعملِ الفنيّ، وما المعايير التي يعتمدها؟..
هل هي دراسة أكاديميّة، ومذاهبٌ ومدارسٌ للنقد؟.. وهل هناك ضابطٌ لهذه القراءة الفنيّة، أم إن اللوحة تقدّم لجمهورٍ، وحده من يحقّ له أن يرى نفسه في ثناياها؟!!..
بالأمس، دخلت صديقة إلى مرسمي، لتشاهد عملاً نحتيّاً لابنها الذي يتدرّب على هذا الفن، ما لفت انتباهي، أن العمل كان جميلاً ومختلفاً ومميّزاً، رغم قصر فترة التدريب، بل هو مدهش، لابن ثلاثة عشر ربيعاً.. مع ذلك، لم تستطع هذه الصديقة المثقفة، رؤية ما رأيته بالعمل، بل على العكس، كانت قراءتها مختلفة تماماً، ربّما لأن المنحوتة، لم تكن من المدرسة الواقعيّة التي اعتادها معظم الناس، بل كانت تحمل فكراً سريالياً جميلاً ومبدعاً، لم تُعجب الصديقة بالمنحوتة، ورأيها لم يعجب ولدها، ولم يرق لي.
من هنا كان السؤال: ترى، من الذي يحقّ له، أن يقيّم عملاً فنيّاً؟… ومن الذي يحقّ له أن يحكم على جودة هذا العمل؟…
أليس من الأفضل، أن ندع الكلام للخلقِ والإبداع والفنّ، وأن نصمت جميعاً، لنحقّق مقولة الشاّعر الرائع “نزار قباني”: الصمتُ في حرمِ الجَمالِ.. جمال”؟..
التاريخ: الثلاثاء4-5-2021
رقم العدد :1044