ثمة إجماع على أن الصورة المتكاملة والرسالة القوية للسوريين يوم الاستحقاق الرئاسي هي نقطة تحول، ومؤشر كبير على اتساع دائرة التفاؤل بالنصر النهائي القريب، وبمستقبل مزدهر للسوريين يعيد من جديد مقومات الازدهار المخطوفة من أعداء سورية بعد تدمير البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية وسرقة النفط، وقتل وتهجير الكفاءات والخبرات.
والسؤال اليوم هو: كيف يمكن البناء على ما حدث ؟ وكيف يكون الانطلاق من نقطة التحول للعبور إلى المشهد المتكامل للتحول النوعي المنشود في سورية في مختلف المجالات.؟
لا تحتاج وقائع الاستحقاق الرئاسي سواء قبل أو أثناء أو بعد يوم الاقتراع إلى بلاغة في الوصف أكثر من بلاغة ما حدث، وقد وصلت إلى العالم كله الرسالة وقرأها ورأى أنها من أهم الرسائل القوية التي أكدت من جديد صمود الشعب السوري على الرغم من كل أعمال القتل والتدمير والحصار الاقتصادي، ورغم كل ما حدث من تجويع وتعطيش وتهجير طيلة سنوات الحرب العدوانية على سورية، وبات واضحاً فشل إدارة الحرب في تحقيق ما تم التخطيط له، فلم تسقط الدولة السورية كما كانوا يتوهمون، ولم يهُزم جيشها ولم يضعف شعبها، اليوم أعداء سورية قبل الأصدقاء يدركون كم هي قوية الدولة السورية وكانت المثل الأعلى في مواجهة قوى الشر والإرهاب وصمدت بثبات قل نظيره .
فماذا بعد .؟
(الأمل بالعمل) شعار كبير يستند إلى جوهر القاعدة التي ينطلق منها هذا الشعار وهو العمل، والتاريخ يسجل للدول والمجتمعات مدى تقدمها وجديتها بالعمل بوصولها إلى المستوى المتقدم في مختلف ميادين الإنتاج والعلوم وارتباط ذلك بجدية أبنائها في العمل المنتج.
لا خوف ولا قلق على عمل السوريين وصمودهم وصبرهم ومواجهتم لكل التحديات، فقد أصبحوا مدرسة في التحدي، ولا خوف على مؤسسات الدولة، فقد أثبتت سورية أنها دولة مؤسسات، لكن ما دمنا أمام مرحلة جديدة علينا أن نواجه المشكلات الأساسية لمعالجتها وتجاوزها، ولا سيما إن المشكلة ليست في المؤسسات، ولا نأتي بجديد عندما نقول إن أولى المشكلات التي تواجهنا هي في العقلية الموجودة عند بعض إدارات هذه المؤسسات التي تفتقر إلى تحديد الأهداف، وغير قادرة على طرح المبادرات والأفكار الجديدة ولا تتمتع بروح التطوير، ولذلك نلاحظ أن أنظار ورغبة المزاج الشعبي تتجه إلى التغيير في آليات العمل واختيار الإدارات والانتقال بمقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، لتصبح في المكان الذي يعمل به ويكون على قدر هذا المكان ويستطيع قيادة العمل والعبور به إلى الأمل، وأن لا يكون هناك أي مبرر لوجود من لا يعمل وأن لا يكون مسموحاً بمجيء أحد إلى موقع المسؤولية في مؤسسة ما ليصبح عبئاً عليها وتحمله المؤسسة بدلاً من أن يحملها.
أمر مشروع أن تكون مبررات تلقى القبول لدى الناس بما فيها الوضع المعيشي، لأن المواطن أصبح يدرك أن هذا الوضع له مسبباته ويرتبط بظروف واضحة وعلنية أبرزها الحرب والحصار، لكن لا يوجد أي مبرر لضعف الأداء وثقل المسؤولية وخفة المسؤول.
آن الأوان أن ننتقل بعملية الإصلاح الإداري من الخطابات والمحاضرات والندوات إلى الإصلاح الحقيقي الذي يبدأ بتمتين أساساته كما هو الحال بالنسبة إلى أي بناء حيث الأصل ليس في الطوابق وإنما في الأساسات، فعندما تكون قوية ومتينة لا خوف على الطوابق، ولعل الأصل في الأساسات هنا الأسس والمعايير التي نعتمدها في اختيار عملية الإصلاح الإداري بدءاً من اختيار الكفاءات والخبرات ومروراً بالتخلص من الوساطات والمحسوبيات ووصولاً إلى مبدأ العقاب والثواب.
نقطة التحول تبدأ من تحقيق الشراكة في تحمل المسؤوليات بين مؤسسات الدولة والمواطن والتفاعل مع المواطنين والتعامل معهم بشفافية والوصول إلى تفاصيل احتياجاتهم .
نقطة التحول يمكن أن تنطلق أيضاً من الأخذ بالاعتبار أن ثمة مزاج للمواطن قد تغير وأصبح يهتم ويتابع، وهذا الاهتمام أو الهاجس لم يولد من فراغ وليس مبنياً على شكل الحكومات وأسماء أعضائها وإنما هو الناتج الذي أورثته الحكومات التي تعاقبت على حياة المواطن، وهو في أسوأ الأحوال أنها لم تستطع أن تغير من ملامح الحياة الصعبة للمواطن بالشكل الذي يخفف عنه أعباء الظروف القاسية، ولذلك بتنا نترقب المضمون وليس الشكل، والفعل وليس القول، روح المسؤولية وليس اسم المسؤول أو شكله أو لونه أو جغرافيته.
اليوم ثمة اهتمام استثنائي بأن تكون القيادات قادرة فعلاً على الإصلاح والتطوير، وقادرة على ترتيب الأولويات ورسم خريطة الواقع على حقيقته للتغلب على كل الصعاب، إضافة إلى كسب ثقة المواطن، قيادات لا تعمل فقط تحسباً من المساءلة أمام مجلس الشعب أو لتبييض صفحتها في وسائل الإعلام، وإنما لتنمية البلد وكسب ثقة ابن البلد ، قيادات تستطيع أن تتجاوز كل ما يقال عن عدم ضبط الأسواق وغياب مراقبة الأسعار ومنع التلاعب بها واحتكار المواد والمحاسبة، قيادات لا تستمر بالحياة عبر
الاجتماعات فقط ويبقى واقع الحال على حاله بعد أن تنتهي هذه الاجتماعات، ولا تكون الظروف الصعبة وتداعياتها شماعة لتبرير العجز في تأمين الاحتياجات الأساسية لمعيشة المواطن، وهذا الانهيار في قدرة المواطن على الاستمرار في الحياة. وبالمحصلة قيادات تستطيع أن تثبت جدارتها بتجسيد شعار المرحلة الجديدة الأمل بالعمل.
الكنز – يونس خلف