الملحق الثقافي:أمين غانم :
عُرف الرمز بأنه الجمع بين اﻹشارة والشيء المشار إليه، أي التأويل والدلالات المتعدّدة للكلمات المتطورة أبداً. كما عُرف بأنه ذلك الشيء الذي يوحي بشيءٍ آخر، يخلق علاقة جديدة بينهما.
والرمز هو وجودٌ معقّد ﻷسرارٍ عميقة، ولغة متفتّحة، وجد فيه الشعراء والفنانون واحة خصبة، وتوازناً نفسيّاً في مجازه، ناكرين الناس السذّج الذين يأخذون اللغة بمعناها الحرفيّ الضيق.
وبالرمز تنحو اللغة نحو الجماليّة في إحاطتها بنوعٍ من السِّحر والجمال والغموض، لذلك هي تفرض على القارئ قراءة واعية متأمّلة، وتدعوه إلى كشف المعاني والمشاركة فيها، وإلى قراءةٍ خلّاقة لا تنتظر من الشاعر- الفنان إيضاح رموزه ودلالاتها، فباﻹشارة يفرغ الرمز من محتواه ليصبح نوعاً من التشبيه الخفيف المباشر.
إن غاية الشاعر والفنان، هي خلق اﻹيحاء والتلميح، وخلق الدهشة في الرؤيا والرمز.
لماذا الرمز؟..
العقل والذاكرة وحدودهما في تحوّلٍ مستمر، وهما من عقلٍ كونيّ، وذاكرة عليا يمكن استحضارهما بالرمز، وكذلك ﻹغناء الوجود واللغة والجمال.
فكلمة – دوران الرغبة – مثالاً، يمكن أن ترمز إلى جموح الرغبة، أو إلى قوّتها أو أصالتها في النفس البشرية، أو إلى حتميّة تحققها، بذلك تتّسع دائرة المشار إليه بالرمز من خلال عمق المخيّلة وقوّتها، من خلال التأمل، فالشاعر – الفنان، يسعى دائماً إلى معرفة نفسه وأحلامه أولاً.
واﻷحلام عموماً، مملوءة بالرموز العابرة لدى اﻹنسان العادي، والمتأصّلة لدى الشاعر- الفنان.
واستخدام الرمز في الفنّ التشكيليّ، غارقٌ وموغل في القدم، منذ رسوم البدائيّ على جدران الكهوف، إلى الفنِّ الحديث الذي ثار على التقليديّ السائد، واتّجه نحو الغامض المهمل من العقل، ليبدع عالماً جديداً بحساسيّةٍ جديدة، وخلق رمزية خاصة باللون، وقد تزامن هذا مع الاكتشافات الكبرى لداروين وفرويد وبرغسون.
كما أشار يونغ، إلى اللاشعور الجمعي والنمط اﻷوّلي للنفسِ البشريّة، كما في الحلم والهذيان، ما أغنى الرؤية الفنيّة الجماليّة، كما في العبادات والميثولوجيا والفكر الفلسفي، ويكفي أن نبحث عن منطقة ما تحت الشعور، لنرى النمط اﻷوليّ الرمزيّ يسيطر عليها كليّاً، وهو نبعٌ غزيرٌ للرموز على مستوى اﻷحلام واﻷساطير والطقوس والتصوف.
نرى رمزية الماء واﻷصداف، واللؤلؤ والطاقة اﻷنثويّة الكونيّة، والخصوبة واﻹنجاب، ما شغل الشاعر-الفنان الذي لم يتركها على حالها، بل طوّر وبشكلٍ دائم، المعرفة الناجمة عن رمزيّتها.
أدرك الفنان “إدوارد مونش” وهو من أبرز الرمزيين العالميين، في لوحته الشهيرة “الصرخة”.. أدرك مع أقرانه الرمزيّين، أن قيمة العمل الفنيّ تكمن في جماليات العمل نفسه، فإحساس العمل الفنيّ يأتي بطريقةٍ لاشعوريّة، من صميمِ روح الفنان، لتنبع من العمل نفسه.
لذلك كان من أبرز خصائص استعمال الرمز في اﻷدب والفن، تلك التعددية في الهدف وتقنيات اﻷسلوب، وهذه التعدديّة هي التي أوجدت الروابط والتشابهات بين الفكر البشريّ والعالم الكبير، وهو الكون الذي تطلُّ عليه قوى العقل والعلم واﻹبداع جميعها.
التاريخ: الثلاثاء1-6-2021
رقم العدد :1048