الثورة اون لاين – سلام الفاضل:
تعدّ الشخصية بحسب تعريفات علم النفس العلاجي، اسماً جامعاً مركباً من الطبع، والصفات، والأحاسيس، والأفكار والسلوكات المتأصلة والفريدة لدى شخص معين، وحينما تطرأ ظروف مغايرة تتطلب ليونة في هذه المكونات الشخصية، ويكون الشخص ذا مركبات تفتقر إلى الليونة في شخصيته، تحد من قدرته على التكيف، يكون هذا الشخص مصاباً باضطرابات الشخصية، ومعرَّضاً للوقوع في الأزمات والمعاناة، وعاجزاً عن ممارسة حياة طبيعية.
ويمكن ملاحظة الاضطراب النفسي عادة من خلال سلوك المصاب، أو دلائل مشاعره أو تفكيره، أو في أسلوب نظرته إلى العالم من حوله، أو كل هذه الأمور مجتمعة، لذلك فإن تشخيصه ليس بالأمر السهل.
وقد عرّف علماء النفس الاضطراب النفسي بأنه: “حالة نغسية تصيب تفكير الإنسان، أو مشاعره، أو حكمه على الأشياء، أو سلوكه وتصرفاته إلى حدّ يستدعي التدخل لرعاية هذا الإنسان، ومعالجته في سبيل مصلحته، أو مصلحة الآخرين من حوله”.
ومما لا شك فيه أن الحرب التي عصفت ببلدنا منذ بداية عام ٢٠١١ قد زادت نسب الإصابة بالاضطرابات النفسية على اختلاف درجاتها، بدءاً من المرض النفسي، واضطراب الشخصية، واضطراب ما بعد الصدمة، مروراً بالمشكلة النفسية، والضغوط النفسية، وصولاً إلى الصعوبات النفسية، والحزن الممتد، ومشاعر القلق، والارتباك، وضعف الثقة بالنفس، وغيرها كثير… الأمر الذي تأتي معه أهمية الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (أساسيات في الاضطرابات النفسية وأهم طرائق العلاج)، وهو من تأليف: د. فردوس صوّاف التي تصف في مقدمتها غايتها في وضع هذا الكتاب، قائلة: “هذا الكتاب حصيلة خبرتي العلمية، والعملية العلاجية في مجال العلاج النفسي لمدة عشرين عاماً أضعها بين أيدي من يريد الاستفادة منها من المختصين في المجال، وغير المختصين، نظراً للأسلوب المبسّط والمنظم الموحد، الذي حاولت إخراجه به ليلائم كل الفئات التي تريد الاستفادة منه”.
يبيّن هذا الكتاب بداية مفهوم الاضطراب النغسي منطلقاً من التسلسل التاريخي للنظرة إليه، والتعامل معه، عارضاً المؤشرات الأولية لمن يعاني منه، ومميزاً بين المرض النفسي (الذهان)، واضطراب الشخصية (العصاب) من خلال توضيح العلاقة بينهما، ثم يُفصّل في أسباب الاضطرابات النفسية، كما يُعدد أنواع هذه الاضطرابات وفق تصنيفات منظمة الصحة العالمية لها.
ويتّبع الكتاب أسلوب عرض الاضطرابات النفسية على ما تفرضه طبيعة الاضطراب وأغراضه. إذ يبدأ بعرض كل فئة من فئتي الاضطرابات النفسية (العصابات، والذهانات) فيعرج على مفهومها وطبيعتها ومعاييرها، ثم يقدم نماذج منتشرة منها.
كما يذكر طرائق علاج اضطرابات الشخصية، موضحاً طبيعتها وتاريخها، وأهم مفاهيمها ومبادئها، ثم آلية السير بها، وخططها العلاجية، وتقنياتها المختلفة.
ويختم الكتاب ذو ١٨٤ صفحة عرضه هذا بتفصيل الحديث عن اضطراب ما بعد الصدمة، فيبين أسبابه ومعاييره وفق التصنيف الطبي، وعلاجه بالطريقة المعرفية السلوكية، وطرائق أخرى. إضافة إلى أنه يوضح أساليب التعامل مع بعض أنماط الشخصية (العدوانية، المتشائمة، العنيدة، المنغلقة، المشتتة…)، ويتضمن كذلك بعض تدريبات الاسترخاء، والتدريبات العملية ذات الفائدة في الجلسات العلاجية لمواجهة حالات نفسية شائعة في المجتمع السوري، من مثل: تدريبات التخفيف من حدة الضغوط النفسية، والذاكرة الاقتحامية، وتدريبات رفع مستوى المزاج، ورفع مستوى التفاؤل، وزيادة الثقة بالنفس، والتخفيف من حدة الشعور بالمسؤولية، والتغلب على الحزن.
