الثورة أون لاين – ميسون حداد:
“أكتب..
كي ينتصر الضوء على العتمة،
والقصيدة انتصار”
نزار قباني
لماذا أكتب؟ سؤال مُلحّ يطرق باب الكيان في كلّ كاتب، وأعني كلّ من شكّلت له الكتابة عملية خلق، تتمخض فيها الأفكار وتتمحص في بوتقة الواقع، بين ما نحن عليه، وما نصبوا إليه، فتأتي الكلمات لتعلن المرتجى.
منّا من اختبر مصارعة النوم عندما تتملكه الفكرة، هناك، داخل عقلنا تدور حرب الكلمات التي تسعى للنيل منّا والخروج، تحاول أن تتحكم بالطريقة التي سنطلق فيها العنان لكلماتنا لتعانق الورق في رحلة السرد.
قد تكشف كلماتنا الواقع أو ربما تعريه، وقد تذهب به لتشويه مقصود، أو غير مقصود، من جهل أو استكبار أو وهم، هذا يعود لغاية الكاتب فيما يكتب، ولتفتح فكره ونضج عملية التكوين فيه، ويتناسب مع القارئ ونضجه وطريقة استقباله للكلمة وتفاعله معها.
أن تكتب، هذا يعني أنك تحمل رسالة ما، حقيقة ما، إضافة ما، إضاءة على جمال مستتر، تصويب للمفاهيم، نقد بنّاء للواقع، المهم أن تشكل كلماتك قيمة مضافة لمن يقرأ، وغير ذلك ابتذال يُختزل باصطفاف الكلمات.
عندما تكتب، قد تذهب لتشارك نفسك وفكرك ومخاضك وكينونتك مع من يقرأ، الكتابة تُعرّي الكاتب، تُعرّي فكره ونفسه، تعرّيه كله، كلماتنا هي نحن، هي من نبض الحب فينا، ورسائل التوق، هي اتقاد الفكر وبعث حممه، هي ثورة على كل ما هو عتيق، فينا، في مجتمعاتنا، عاداتنا تقاليدنا..
كلماتنا هي مرآة ما يتملكنا.. في النهاية.. أنت ما تكتب.
وللكلمة قوتها، فقد خلق الله الكون بكلمة “كن”، وفي البدء كان “الكلمة”، كلمتك التي تطلقها قد تقتل وقد تُحيي، وإذا أتت من سفاهة ربما تمر بلا أثر، لكنها لن تمضي دون كدر.
كلماتنا، تتسلل من تاريخنا، من اختبار الحياة فينا، من مخاض الأيام، من فرح اللحظات، من نشوة الحب، من كل عبور، من رقصة الحلم في الوجدان، من إيقاع الشغف، من غليان بعد فتور، من يأس من قوة، من نوس الأيام بين صعود ونزول.
من الكتّاب من تستودعه الأيام كلمات خاصة، من خبرات خاصة، من آلام لا تطول الجميع، ووعي لا يدركه إلا من مشى دربهم، هؤلاء حين يُستودَعون الكلمة لا يحق لهم حجزها، وإذا حجزوها خانوا، لأنك أمام الملهَمين تحس بالخيانة إن لم تتبعهم وتسمح لكلماتهم بإعادة تشكيلك وخلقك من جديد حين تكشف كلماتهم ما غشيته الأوهام أمامك وتبسط لك الحقائق وسط التضليل.
إذا كان الفكر فيك عطاء من قيمة، وزّعه، لأنك مؤمن بأن أحداً سيأتي ويقرؤك ويصير بهذا إنساناً جديداً
قد يأتي من يقرؤك ويحيا.