بقلم مدير التحرير أحمد حمادة:
هذا الخبر مثير للاستفزاز، بل حتى الدهشة.. فمجلس النواب الأميركي يقرّ مشروع قانون لإزالة تماثيل رموز العنصرية من مبنى “الكابيتول” في واشنطن، وهذا المشروع الذي سيتم تحويله إلى مجلس الشيوخ ينص على إزالة تماثيل الشخصيات التي خدمت الكونفيدرالية وتوصف من قبل كثيرين بأنها “رموز العنصرية والعبودية” في الولايات المتحدة.
وهذا يعني فيما يعني أن قادة أميركا وأعضاء كونغرسها كانوا للتو يقدسون مواطنيهم الذين ظلموا السود والملونين ومارسوا العنصرية بحقهم، وأنهم للتو كانوا يصنعون لهم التماثيل، ويضعونها في أعظم المباني التي تدل على رموز سيادتهم، مثل مبنى “الكابيتول”، وهذا يعني أيضاً أن تغنيهم بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان كان عبارة عن كذب على “الذقون” وذقون الأميركيين قبل غيرهم، وكانوا يمارسون التضليل على مواطنيهم البيض والسود قبل مواطني العالم الآخرين.
يا لها من سخرية ما بعدها سخرية، وفي أميركا ذاتها التي تتاجر بحقوق الإنسان في الصين، وبالمساعدات الإنسانية المزعومة في سورية، وبمحاربة الإرهاب في طول العالم وعرضه، وبالأمن والاستقرار الدوليين في أروقة مجلس الأمن الدولي، وبالحرص على عالم خال من الأسلحة المحرمة في أروقة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وبمحاربة العنصرية والتمييز العنصري في أروقة منظمات حقوق الإنسان.
يا لها من سخرية ما بعدها سخرية يمارسها أصحاب الرؤوس الصهيونية الحامية في واشنطن، وهم يبنون التماثيل لرموز العبودية ويزينون بها أروقة الأبنية السيادية في بلادهم لعشرات وربما مئات السنين، ثم يتذكرون في عام ٢٠٢١ ضرورة إقرار عدم مشروعيتها وضرورة إزالتها، يا لها من مفارقة وهم أنفسهم من يتاجرون اليوم بحقوق الإنسان، ويتحدثون عن العدالة والمساواة بين البيض والسود والملونين وبين الأديان والأعراق والإثنيات.
وهاكم السخرية الأكثر من صارخة، فرغم أن مشروع القانون المذكور حصل على أغلبية 285 صوتاً إلا أن 120 نائباً عارضوه، وهذا يعني الكثير الكثير، فكم من المتغطرسين العنصريين الذين يقدسون رموز العبودية مازالوا هناك في الكونغرس وفي أروقة صنع القرار الأميركي.
لكن اللافت أكثر من كل هذا، والعجب العجاب، أن نحو ثلاثة عشر ألف تمثال ورمز للعبودية مازالت تلوح لك في شوارع الولايات المتحدة وتتصدر أبنيتها السيادية، من بينها عشرة على الأقل داخل مبنى الكابيتول في واشنطن.. ثلاثة عشر ألفاً فقط تلوح للأميركيين بأيديها وتقول لهم: “مازلنا فوق رؤوسكم” وبحماية وتحت عباءة تمثال “الحرية” الأشهر في العالم!.