رائحة القهوة غابت عنه تماماً، شربها وأسرع يمسك بتلك الورقة التي كتبت فيها زوجته طلباتها الأسبوعية، حملها بثقل تام، وكأن صخرة على قلبه، أمسك بكتلة من الأوراق النقدية، أخذ الحقيبة التي تذكره بزمن مضى…
حين كان يحملها ويعود بها محملة بكل ما لذ وطاب، خاصة مشاوي يوم الجمعة، التي لم ينسَ طعمها فقط بل و رائحتها.
هو ممتن أن أولاده أصبحوا شباباً ويعتمدون على أنفسهم، وإلا لكانت الكسرة أمامهم لا يعادلها سوى الموت…!
اليوم مع زوجته العجوز بالكاد يدبر معيشته مع كل الإعانات من الأولاد الخمسة، رغم أنه يطمئنهم أن أحواله على ما يرام، إلا أن إصرارهم على رفعة وتلبية احتياجات والديهما لا يعادلها أي شيء في هذه الحياة..
“الله يرضى عليهم” يقول في سره، بينما يدير مفتاح الباب ويخرج، وإذا به يسمع حركة خفيفة، يبدو أنها صادرة من زوجته…
حاول أن يذهب إلى التسوق الأسبوعي قبل أن تستيقظ وتطلب المزيد…!
استفاقت بحرد بعد أن اختفى زوجها، كانت تريد أشياء أخرى كعادتها، وانتبهت أن الموبايل مرمي على أدراج المطبخ، صبت لنفسها قليلاً من القهوة، سرعان ما عاد إليها ذكرى أولادها المسافرين، وبدأت تقلب هاتفها لترى من منهم اتصل بها..
سرعان ما اندمجت في أعمال المنزل، ستنجز اليوم غداء قليل الكلفة، لا زيارات متبادلة في عهد الكورونا، وأوقات الضجر تزيد على أبوين ينتظران معجزة لم الشمل..
وضعت فنجاني قهوة وانتظرت على الشرفة…
بينما رب الأسرة غارق في مجادلة الباعة، يمسك بتلك البخاخة الزرقاء كي تعينه على انقباض النفس المرضي…
حين سمعت وقع خطواته سارعت لإعانته على حمل الأغراض، ولم تنتبه إلى أن الكيس الذي بهتت ألوانه ومضى عليه زمن، بالكاد فيه بعض الأغراض، امتدت يديها لتسحب الكيس الأسود وتجد فيه القليل من الفاصولياء، وربطة خبز..
دمعت عيناها…وهي تقول: نفطر زيتون وزعتر، ونتغدى فاصولياء بزيت…وننسى العشاء…لا تهتم..!
عندما يرسل الأولاد…سوف نتغدى كباب…قال لها بانكسار..
“الله يسامحهم، ويرضى عليهم..إن أرسلوا أو لم يفعلوا…!” تقول الأم بـأسى وتجلس على الكرسي وكأنها لم تعد قادرة على الوقوف..!
رؤية – سعاد زاهر