بقلم مدير التحرير أحمد حمادة:
كثور هائج تستمر أميركا بتعاطيها مع قضايا العالم.. تظن أنها ما زالت القطب الأوحد الذي يأمر وينهي، والذي يقرر بدل المؤسسات الدولية ولا يلتزم بقراراتها، والذي يغزو الدول والشعوب وينهب ثرواتها بلا رقيب ولا حسيب، والذي لم يقتنع بعد أن زمن الهيمنة قد ولى وأن أقطاباً جدداً قد رسموا لوحة جديدة للمعمورة.
لا تريد أميركا أن تقتنع بذلك لكن خطواتها المكسورة والمنهزمة تشي بذلك، وتؤكد أنها باتت تعي الدرس، فها هي تنسحب من أفغانستان تحت جنح الظلام، وتوكل المهمة لطالبان والقاعدة اللتين أسستهما، وادعت أنها تحاربهما.
وفي سورية تضطر إدارتها العدوانية للقبول بالهزيمة بعد صمود السوريين وانتصاراتهم السياسية والميدانية المتتالية، وبعد فرض الأصدقاء والحلفاء رؤاهم وشروطهم عليها وعلى منظومة العدوان برمتها.
ومن روسيا إلى الصين تتراجع أميركا، فهي تثير الأزمات في البحر الأسود وبحر الصين لكنها سرعان ما تلملم خيباتها وبقايا قواتها وبوارجها وترحل من هناك، ومن أقصى آسيا إلى أقصى أفريقيا فُضحت سياساتها العدوانية التي تتاجر بالإنسانية وحقوق الإنسان وتتلطى خلف الشعارات البراقة المخادعة حول رغبتها بالسلام والاستقرار العالمي، ومن أقصى حلفائها في أوروبا إلى منطقة الخليج العربي ظهر ابتزازها للأتباع دون أي مساحيق تجميلية أو حتى رتوش.
وباتت كل الشعوب الفقيرة المنكوبة بسياسات أميركا الاقتصادية الجشعة، التي تستند إلى نظريات “الليبرالية الجديدة” المتوحشة، تعي أن البلاء الأعظم لا يأتي إلا من أميركا ومن عواصفها وأمواجها العاتية ومن أنموذجها الجديد في الاقتصاد والسياسة.
وباتت تدرك جيداً حقيقة وجهها الأكثر بشاعة عبر التاريخ الإنساني، الوجه الذي عمّم “رأسمالية الكوارث” واستثمر بالكوارث الاجتماعية والسياسية والطبيعية وآخرها كارثة جائحة كورونا، ثم استغل الشعوب التي صدمتها تلك الكوارث.. الوجه الذي استثمر بالإرهاب، ومزق الدول، وأفقر الملايين في طول العالم وعرضه، ونشر البطالة في كل المجتمعات، وقوض الحريات وانتهك حقوق الإنسان وتاجر بها و”على عينك يا تاجر”!.