الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
إن الحوار بين القوتين النوويتين العظميين أمر بالغ الأهمية لمحاولة تطبيع العلاقات، وتقليل التوترات، وتسريع قنوات الاتصال الأفضل بهدف زيادة “الاستقرار والقدرة على التنبؤ” كما يقول الأمريكيون.
المشكلة هي أن “الاستقرار والقدرة على التنبؤ” هما صفتان يبدو أن واشنطن تتوقعهما فقط من روسيا، بينما هي لا تقدم أي شيء تجاه الآخرين، والولايات المتحدة أبعد ما تكون عن الاستقرار أو التنبؤ من وجهة النظر المحلية أو الدولية، يبدو أن الاجتماع بين جو بايدن وفلاديمير بوتين جاء بناءً على طلب الرئيس الأمريكي.
أكد الجانب الروسي على الحاجة إلى الاحترام المتبادل والحوار كأساس وحيد لإطار عمل قابل للتطبيق للمضي قدماً، من جانبه لم يتراجع الجانب الأمريكي عن هذا الطرح، وبدا أن بايدن يقبل بحرارة بفرضية بوتين المنطقية البارزة للحوار القائم على التكافؤ، وقد تخلت قمة جنيف عن مواقف استفزازية من قبل الأمريكيين، ما مهد الطريق لمناقشات لاحقة من المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا الشهر، لكن سرعان ما أظهر العم سام سلوكه الفصامي، ففي مقابلة إعلامية أخيرة، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أسفه لأنه بعد قمة جنيف مباشرة استأنفت إدارة بايدن خطابها المتغطرس تجاه روسيا، محذرة من العواقب إذا لم تحسن موسكو سلوكها، وما إلى ذلك.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الخطاب الحاد جاء من مساعدي بايدن الذين شاركوا في مناقشات جنيف، لم يذكر لافروف الأسماء، لكن يمكن للمرء أن يخمن تورط مساعدين صقور مثل فيكتوريا نولاند.
الازدواجية في واشنطن تجعل من الصعب بشكل أساسي بناء أي حوار، لأنها تؤدي إلى تآكل الثقة بين الأطراف.
ربما يكون من غير الواقعي توقع أن تكون واشنطن وموسكو صديقتين في هذا المنعطف، لكن يجب على الأقل أن يكون هناك قدر ضئيل من الثقة في العلاقات أو فيما تم الاتفاق عليه، وإلا فلا فائدة من إجراء حوار في المقام الأول.
عندما يبتسم بايدن ومساعدوه لبوتين ومساعديه حول “الاحترام المتبادل” ثم بعد أن ينفصلوا يبدأ الأمريكيون في الحديث بطريقة تتعارض مع الاحترام المتبادل، فهذا سلوك يوصف بأنه فصامي، هناك علامات أخرى تنذر بالسوء على الازدواجية، بعد أسبوع واحد فقط من قمة جنيف انخرط الأمريكيون في استفزاز خطير تجاه روسيا في البحر الأسود، بحسب موسكو.
كان إرسال سفينة حربية بريطانية في 23 حزيران بالتنسيق مع طائرات استطلاع أمريكية لانتهاك المياه الإقليمية الروسية حول شبه جزيرة القرم “خدعة محسوبة”، وأسفر ذلك الحادث عن إطلاق سفن تابعة للبحرية الروسية طلقات تحذيرية، وإسقاط طائرة مقاتلة من طراز SU24M قنابل في طريق المدمرة البريطانية لإجبارها على الخروج من المياه الإقليمية لروسيا.
مثل هذه المناورة الجريئة التي قام بها الأمريكيون والبريطانيون تتطلب إذناً رفيع المستوى من البيت الأبيض. إذن لدينا هنا رئيس أمريكي يهز رأسه – على ما يبدو بتقدير – لنداءات نظيره الروسي الرسمية من أجل الاستقرار والاحترام، وبعد ذلك وفي غضون أسبوع، هناك خرق خطير للاستقرار من خلال التحرش الأمريكي والبريطاني بحدود روسيا على البحر الأسود.
في وقت لاحق من هذا الشهر، من المقرر أن يجري الجيش الأمريكي مناورات حرب مع بولندا وليتوانيا في منطقة لفيف بغرب أوكرانيا. ستُجرى التدريبات المعروفة باسم Three Swords 2021 على الأرض في الفترة ما بين 17 و 30 تموز.
هذه المناورات الحربية – المصنفة بشكل استفزازي على أنها “الدفاع عن أوكرانيا من العدوان الروسي (غير الموجود)” – تتماشى مع مناورات الناتو Sea Breeze 2021 التي عُقدت في جنوب أوكرانيا والبحر الأسود بين 2 و10 تموز، وشاركت فيها 30 دولة، بما في ذلك أوكرانيا وجورجيا غير الأعضاء في الناتو، في أكبر تعبئة عسكرية بالقرب من أراضي روسيا على البحر الأسود.
في هذا السياق، من الصعب الهروب من حقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو منخرطون في سلوك من شأنه زعزعة استقرار الظروف الأمنية على حدود روسيا بشكل متعمد، ومع ذلك تقول إدارة بايدن إنها تريد إجراء محادثات حول “الاستقرار الاستراتيجي”.
من المسلم به أن هذه المناورات الحربية للناتو مخطط لها مسبقاً بوقت طويل وقبل أن يتولى بايدن منصبه في كانون الثاني، ومع ذلك نظراً للأهمية المفترضة لقمة جنيف والالتزامات المعلنة لتحسين الاستقرار، يمكن توقع أن تُظهر إدارة بايدن جديتها من خلال تقليص التدريبات على الحرب.
ومع ذلك، والأكثر خطورة، فإن الاستفزاز المحسوب من قبل الأمريكيين والبريطانيين في 23 حزيران يشير إلى أن الازدواجية في واشنطن هي سياسة شائنة وليست مجرد افتقار غير كفؤ للتواصل داخل إدارة بايدن، وهذا لا يبشر بالخير للحوار المثمر.
بقلم: فينيان كننغهام
strategic-culture