الملحق الثقافي:وجيه حسن:
لا ريب، أنّ «أدب الأطفال»، اليوم، له تأثيرٌ باصِمٌ بِتربية الطفل، بِتشكيل شخصيته.. فهذا الشّكل من الأدب، هو الباعث على خلقِ الاتجاهات الحميدة بنفوس أطفالنا، وأفئدتهم المُنَمنَمة..
والكتاب الجيّد، «ونعني به هنا القصّة»، يثير اهتمام الأطفال، يبعثُ فيهم النشاط، لمعرفة أشياءٍ أخرى.. لهذا يشيد «أدب الأطفال» بِدَور الأمّ التي تلازم طفلها منذ نشأته، والتي تقدّمه للمدرسة والمجتمع والوطن فرْداً صالحاً منْ خلال تربيتها، ومنْ خلال القصص التي تُعدُّ الوسيلة الفعّالة بالتربية والتهذيب والسّلوك الحَسَن؛ كذلك لا يمكن لكائنٍ أنْ يكوّن مِنْ فكرةٍ قصّةً للطفل، ما لم يكن فنّاناً مُبدِعاً موْهوباً، مهما كانت رَوْعة الفكرة التي يقدّمها..
الأفكار يمكن أنْ يلتقطها كلٌّ منّا منْ خضمّ الحياة بسهولة، لكن لا يمكن لكلِّ مَنْ هبَّ ودبَّ أنْ يحوّلها إلى قصّة، تدغدغ أحاسيسَ الطفل، تلامسُ عقله الصغير، وفؤادَه الطريّ.. عليه، يمكن أنْ تتحوّل «الفكرة» إلى «قصّة رائعة»، إذا ما تعهّدها عقلُ فنّانٍ وخياله، بينما يمكن أنْ تذويَ أعظمُ الأفكار، إذا لم يتعهّدْها مثل ذلك العقل وهذا الخيال، لأنّ «الفكرة وحدَها لا تكفي بالقصّة»، إذ لا بدّ مِنْ عمليّاتٍ إبداعيّة خلّاقة، تنقلُ الطفل لأجواءِ القصّة وعوالمِها، وتحرّكُ خياله، وتفعلُ فعلَها فيه!..
يقول «كامل كيلاني» الرّائد العربي المصري لأدب الأطفال:
«للطفولة أفئدة حَاكِيَة وضّاءة، كصحيفةِ السّماء، حذارِ أنْ تخطوَ في تلك الأفئدة ـ بل الصّحائف ـ إلّا بأقلامٍ لَبِقةٍ بتصوير الملامح، فإنّ للطفولةِ قلوباً حسّاسَة حافظة، كأنّها ورقُ المُصوّر الحسّاس»!.
هنا يردُ القول: إنّ القصّة هي الجنس الأدبي الألصق بالطفل، والأكثر رَوَاجاً وإقبالاً عليها، لخصائص بالطفل وبالقصّة معاً..
فالقصّة ـ كنمطٍ كتابيّ ـ قادرة على نقل المعرفة للأطفال، كما أنّها أقدرُ ألوانِ الأدب على توليدِ الاتّجاهات المَرْغوب فيها لديهم، وترسيخ القيم المعنويّة باستثارةِ مشاركتهم العاطفيّة، لنماذجَ من السّلوك الإنسانيّ، التي تعمل على تقديمها، وللمواقفِ الإنسانيّة التي تصوّرها..
ويرى بعضهم (أنّ الأدب بِحدّ ذاته صانعٌ للبهجةِ والمتعة، بل وصانعٌ للإنسان نفسه)، وليس مجرّد وسيلة، وهو مُؤثّر في الأطفال، سواء من خلال البيت، الذي لا بدّ «وأنْ يتذوّق الطفلُ فيه طَعْمَ الأدب، جنباً لِجنب مع الغذاء والحليب والهواء»، وعلى المدرسة أنْ تستكملَ المسيرة بأدبٍ جيّدٍ ماتِعٍ شائِق، يثير شهيّة الأطفال لمواصلة الإقبال عليه، ولِغرسِ عادة القراءة في نفوسهم!.. وهناك شبهُ اتفاق، على أنّ «القصّة هي الشّكل الأدبي المُفضّل للأطفال»!
من هنا، فقد أصبحت مكانتها كبيرة، لِما لَها منْ تأثيرٍ فيهم، لهذا لا بدّ من التدقيق باختيارها، ومعرفة ما يلائم الأعمار المختلفة لها..
وليس عجبَاً، أنّ نعرف أنّ أكثر الأدباء والمفكّرين، قد تأثّروا بالحكاية التي سمعوها بطفولتهم الأولى، «فالطفل يعيش القصّة بكلّ أحداثها، ويرحل ويجول مع رحلاتها، وتكون لديه الرّغبة في المعرفة والتعرّف، ليوسِّع دائرته، ويكتشف مَواطِن الصَّواب والخطأ بالمجتمع، وما فيه من خيرٍ وشرّ، حتى يتقبّل الحياة كما هي، ويعيش أبعادها»..
عليه، فإنَّ «كتابَ الطفل، يمكن أنْ يغيّرَ أدقَّ ما في العالَم، بل يستطيع أنْ يغيّرَ العالَمَ ذاته»، على حدّ قول أحدهم…
وينبغي معرفة، أنّ «أدب الأطفال» الجيّد، هو الذي يراعِي خصائص الطفولة واحتياجاتها، بإطارٍ من القيم والمُثُل والنّماذج والانطباعات السّليمة..
فـ «أدب الأطفال» الجيّد، يعرف كيف يصل لِتحقيق أهدافه النّبيلة بِمختلف النواحي الخلقيّة والروحيّة والاجتماعيّة والجماليّة وسِواها، وذلك بوسائل غير مباشرة، لكنها أكثر فعاليّة، وأعمق أثراً بِنفوس الأطفال، وذلك عن طريق تقديم أنماط جديدة للسّلوك والتصرّف من خلال شخصيّات أبطال القصص، التي يشعر الطفلُ نحوهم بالحبِّ والإعجاب والدّهشة..
عليه، فإنّ الكاتب الجيّد هو الذي يعيش بيئة الأطفال، يتعامل معهم من واقعهم المَعِيش، ومستواهم الذّهني، وليس ذاك الذي يكتبُ لهم منْ بُرْجٍ عاجِيٍّ مُسَيَّج..
ويرى بعضهم، أنّ أفضل ما يقدَّم للأطفال من القصص، قصصٌ تنطوي أحداثها على حقائقٍ تستحقّ أنْ تخلّدَ الحياة الشّعورية الداخلية للإنسان، التي لا تُحيِي في الأطفال العواطفَ الحَمْقاء، أو المشاعرَ الواهِيَة، بل تكوّن فيهم دقّة الشّعور، ورقّة الإحساس..
المطلوب من كُتّاب «أدب الأطفال»، أنْ يكتبوا بأسلوبٍ جميلٍ سَلِسٍ، يدعو الأطفال للتشبّث بعادة القراءة الحميدة، لتتسعَ آفاقُ الخيال لديهم، وتنمو عندهم المقدرة على تذوّق الجمال، ومعرفة القيم الفاضلة، التي تزدانُ بها الحياة..
عليه، فإنّ قصص الأطفال من أكثر القصص اعتماداً على «الخيال»، وكم من قصّة خياليّة ظلّت بأذهان الأطفال مؤثّرة فاعلة لسنواتٍ!.. وكم من أبطالٍ خياليين حازُوا إعجابَ الأطفال، بعيداً عن النّسج الذي يؤلّف بين أجزاء الحقيقة!..
إنّ القصّة كما تقول «ذكاء الحرّ»، بكتابها الشّائق «الطفل العربي وثقافة المجتمع»: «هي قناة منْ بين أقنية عدّة، تنقل أوْ تُوصِل لِذهن الطفل مفاهيمَ ومضامين وأفكاراً متنوّعة ومتعدّدة، تنخرط أو تتدامَجُ مع ما تنقله القنواتُ الثقافيّة الأخرى، لتشكّلَ معاً بالنهاية، عالم الطفل الثقافي – الفكري – المَفاهِيمي».
زبدة القول: إذا كان الخيّال «هو عماد القصّة وجوهرها»، فإنّ الصّدق ينبغي أنْ يكون رائد هذا الخيّال الخلّاق؛ أمّا الكذب على الحياة والأحياء والأطفال، فإنّه يصطدم بواقع الحياة، بقوانينها الثابتة، وتجاربها العمليّة، حينئذٍ يذهب أثرُ القصّة بالنفس، ولا يكون لها في السلوك الإنسانيّ أيُّ صدى يُذكَر!..
التاريخ: الثلاثاء20-7-2021
رقم العدد :1055