قبل الإعلان عن نتائج شهادة التعليم الأساسي وبعد هذا الإعلان ، سألت الكثير من الأصدقاء عن امتحانات ابنائهم وبناتهم ونتائجها ، فكان القاسم المشترك لإجاباتهم : المهم ان ًيحصلوا على علامات تؤهلهم دخول المدرسة العامة . المدرسة التي ستقودهم الى الجامعة والطب والهندسة والصيدلة وطب الأسنان ……الخ.
وتتجاهل هذه الإجابة ان عددا غير قليل من طلاب الثانوية ، يختارون الفرع الأدبي ، ومن ينجح منهم يذهب الى فروع جامعية ، ليست ذات مردود مادي وفير ، فجلهم سيذهب الى التدريس ، ورواتبه محدودة ، في حين ان الكثير منهم سيبحث عن وظيفة وسيواجه السؤال الصعب : ماذا تعرف ….؟ وسيكون الجواب : أحمل الشهادة الثانوية.
يكتفي بعض المهذبين بالقول لسنا بحاجة الى هذه الشهادة ، ومن لديهم وقت للتسلية يهزؤون قائلين: وماذا يعني شهادة ثانوية؟ بكالوريا سواء علمية أم ادبية؟ وبالفعل أي مهارة توفرها هذه الشهادة لحامليها في سوق العمل؟ للأسف لا تضيف شيئا لقوتهم البدنية التي سيوظفونها في اعمال غير نوعية وغير اختصاصية يقوى على الاضطلاع بها من لا يحمل أي شهادة.
وإذ نستعين بالأرقام نجد ان التوجه نحو المدرسة العامة طاغ ، ففي العام الحالي تقدم الى امتحانات الشهادة الثانوية العامة ١٩٣٧٣٧ طالبا وطالبة ، مقابل ٣١٧٦١ طالبا وطالبة من المدرسة المهنية.
ومن المؤسف ان نسب النجاح في الثانوية المهنية متدنية جدا بالمقارنة مع نسب النجاح في الثانوية العامة في هذه السنة وكمثال ، نجد انه من أصل ١٧٣٠٢ طالب تقدموا لامتحانات الثانوية الصناعية في هذه السنة ، نجح منهم ٧٢٠٦ طلاب بنسبة نجاح ٤١،٦٥% ، مقابل نسبة نجاح ٦١،٥٤% في الثانوية العامة . ٦٣،٧٩ العلمي و ٥٩،٣٠% للأدبي .
لقد نجح في العام الحالي في امتحانات شهادة التعليم الأساسي ٢٢٥٤٦٣ طالبا وطالبة بنسبة نجاح ٧٦،٢٣% ولعلنا نلاحظ ان الاجتهاد سمة بارزة لاسيما وان ٧٩ طالبا وطالبة حصلوا على العلامة التامة.
الكل يتفانون للنجاح بعلامات ، والجميع يتوقون الى المدرسة العامة التي ستقودهم الى الجامعة .
اما العدد الضئيل الذي سيجبر حسب علامته ان يتوجه الى المدرسة المهنية فإنه للاسف لن يدرك انه محظوظ ، وان بإمكانه بعد التخرج ان يعمل مباشرة -اذا رغب – في حين ان آلاف الطلاب الجامعيين ينتظرون سنوات وسنوات للحصول على -وظيفة – باتت نادرة وذات اجر لا يبني مستقبلا.
أي غشاوة على عيون من لا يَرَوْن ان المدرسة المهنية ، التي تسلح الشبان والشابات بمهنة ، هي الأفضل والأهم لمستقبلهم ، تتيح لهم حياة رغد العيش ، ولعلنا نلمس ذلك الان ، في حصول المهنيين على الأجر الذي يروق لهم ويتلاءم مع احتياجاتهم الاساسية ورفاهيتهم .
الم يحن الوقت بعد لطي صفحة ازدراء العمل المهني وتسفيهه ، والشغف بالعمل المكتبي؟.
ما من شك ان اسبابا عديدة تغذي هذا الخطأ الجماهيري الشائع ، لعل أهمها ، غياب الترويج الجدي والمثابر لمنافع التعليم المهني الفردية والوطنية ، فإذا كان صاحب الصنعة مالك قلعة فإن وطنا يتوق الى نهضة شاملة مثل سورية يحتاج الى مهرة في اختصاصات متنوعة لا توفرها الا المدرسة المهنية.
بدهي ان هناك اسبابا اخرى ، منعت الإقبال الكبير مثلما يحدث في الدول المتقدمة ، لكنها جميعا قابلة للاحتواء ، إلا تغيير المزاج والثقافة والقناعات، ان هذا التغيير يحتاج الى وقت طويل إذ نبدأ.
وهذا افضل الف مرة من ألا نبدأ ابدا ، وان نراوح في المكان .، مثلما فعلنا حتى الآن.
أروقة محلية -ميشيل خياط