إثر الهزيمة المذلة التي تجرعتها الولايات المتحدة إلى جانب حلفها الأطلسي “الناتو” في أفغانستان، سارع جوبايدن، وقبله وزير خارجيته أنتوني بلينكن، لترميم الصورة المتصدعة لهيبة بلدهما أميركا، فزعما أنها حققت أهدافها من وراء غزوها واحتلالها لأفغانستان، وهذا انفصال واضح عن الواقع، حتى إن بايدن ناقض نفسه عندما قال: “بأن أفغانستان أثبتت أنها مقبرة الإمبراطوريات”، بكل تأكيد ليست أفغانستان وحدها مقبرة لأي دولة غازية، فالتاريخ يسجل في ذاكرته الكثير من البلدان التي لفظت المحتل مهما كانت قوته وجبروته.
بايدن زعم، في سياق تبريره للهزيمة، بأن هدف الحرب هو منع هجمات إرهابية على أميركا، ولم يكن أبداً بناء أمة ولا مركزاً ديمقراطياً حسب تعبيره، فيما ادعى بلينكن أن الهدف كان ملاحقة مدبري هجمات 11 أيلول، وقد تحقق هذا الهدف حسب زعمه، فماذا إذاً عن الشعار الزائف “محاربة الإرهاب” الذي أطلقه جورج بوش الابن كذريعة لغزو أفغانستان قبل عشرين عاماً؟، وأصبح فيما بعد الحجة الأميركية لشن حروب أخرى ضد دول مستقلة وذات سيادة، وترافقت هذه الحجة مع أكذوبة “نشر الديمقراطية” كذريعة موازية للاعتداء على الدول الأخرى والتدخل السافر في شؤونها الداخلية، فلماذا تجاهل بايدن وبلينكن هذين “الهدفين” اللذين صدعت بهما أميركا رؤوس العالم ولم تزل؟، الجواب ببساطة، إن نشر الإرهاب، وخلق الفوضى، هما الهدف الحقيقي لأميركا، والإدارات الأميركية المتعاقبة قد نجحت بالفعل في تحقيق هذا الهدف.
إذا كان الهدف المحقق هو منع الهجمات الإرهابية عن أميركا، فبايدن يعلم تماماً بأن بلاده هي راعية الإرهاب العالمي، وهي من تدير دفة جرائمه حيثما تقتضي مصالحها الاستعمارية ذلك، حتى إن هجمات 11 أيلول التي اتخذتها واشنطن ذريعة لشن غزواتها وحروبها، لم تستبعد نظرية أن تكون المخابرات الأميركية الـ “سي أي إي” متورطة في تدبيرها، وعليه فإن الولايات المتحدة أبعد من أن تكون عرضة لمثل هذه الهجمات، مادامت المشغل والمحرك الرئيسي للتنظيمات الإرهابية في عدد من دول العالم، وإذا كان الهدف الثاني المحقق “ملاحقة مدبري هجمات أيلول”، فإن بلينكن على دراية تامة بأن إدارته ما زالت تخفي ملفات سرية تدين النظام السعودي، لأنها ليست بوارد محاسبته، نظراً للخدمات الكثيرة التي يقدمها لواشنطن على صعيد رعاية الإرهاب ودعمه خدمة للمصالح الأميركية.
إعادة ” طالبان” إلى السلطة بمساعدة أميركية واضحة، تفند كل مزاعم مسؤولي البيت الأبيض، فالهدف من وراء غزو أفغانستان واحتلالها، كان ولم يزل تفريخ الإرهاب الدولي، والعمل فيما بعد على إعطائه صفة “الشرعية”، فهذا الإرهاب هو عكاز أميركا، لا يمكنها التخلي عنه، خوفاً من انحسار، وربما تلاشي دورها على الساحة العالمية، فهي تدعي دوماً محاربتها لهذا الإرهاب، وفي الوقت نفسه تقدم المال والسلاح لتنظيماتها الإرهابية المنتشرة في بقاع كثيرة تحت أشكال ومسميات متعددة، فتقتل الشعوب باسم الحرية، وتنشر إرهابها وفوضاها الهدامة باسم الديمقراطية، وتلهث نحو السيطرة على العالم والتحكم بقرارات شعوبه تحت ستار حقوق الإنسان.
البقعة الساخنة- ناصر منذر