الملحق الثقافي – أمجد سيجري:
يتداول الكثير من نشطاء التواصل الاجتماعيّ معلومةً مفادها، أن التحية السريانية هي كلمة «مرحبا»، ويبرِّرون قولهم أنها مؤلفة من كلمتين، كلمة «مار» السريانية التي تعني «السيّد المبجّل» أو «الرب» أو «الإله»، وكلمة أخرى هي كلمة «حبا « من «حوبو» السريانية، والتي تعني «محبّة» أو «حب» ليكون ما استنتجوه، أن السريان وتحديداً المسيحيين الأوائل منهم في سورية، كانوا يقولون في تحيّتهم «مارحوبو» أي «الله محبة».
المشكلة أن هذه المعلومة طالت حتى وسائل الإعلام، الرسميّة وغير الرسميّة، المقروءة منها والمسموعة، حتى أصبحت اليوم حقيقة لا يمكن لأحدٍ أن يناقش بها أو يعترض عليها، وفي الحقيقة كلّ ما يتداوله النشطاء عن هذه المعلومة، ليس إلا محضَ خيالٍ ومعلوماتٍ زائفة، تمَّ ترويجها منذ ما يقارب العشر سنوات، ولا أساس لها من الصحة، فالسريان لم يتداولوا كلمة «مرحبا» ككلمةٍ سريانيّة، لا من قريبٍ أو بعيد، حتى إنني قمت بالبحث عنها في عدد من المراجع والقواميس السريانيّة، وأهمها وأشملها: القاموس رباعي اللغة:
SYRIAC-ENGLISH-FRENCH-ARABIC DICTIONARY ، Louis S. J. Costaz
هذا القاموس، صادر عن دار الشرق – بيروت، في العام 2002، وفي الحقيقة لم أجد أيّ كلمة تخصُّ «مار حبا أو مرحباً» أبداً، لكننا نجدها مشروحة بدقّة في قواميسِ العربي الفصيح، وأهمها لسان العرب من الفعل الثلاثي «رَحُبَ» الذي يعني «اتّسع»، وبالتالي فإن كلمة «مرحبا» من «مرحب» وهي اسم مكان للفعل «رَحب» وتدل على «المكان الواسع»..
لكن، إذا لم تدلُّ كلمة «مرحبا» على التحيّة، فما الكلمة السريانية التي تدلّ إذاً؟..
في الحقيقة، التحيّة السريانيّة المستخدمة حتى اليوم بين السريان، هي كلمة «شلومو» التي تعني السلام، وكلمة «السلام» أو «سلام»، هي تحية ما زالت منتشرة حتى اليوم في الكثير من المناطق السورية، فنقول عن الدخول إلى أيّ مجلسٍ: «سلام».
طبعاً، معناها مرتبطٌ بالسلام الذي يمثّل أهمّ القيم الإنسانية، التي ضمنت حياة الإنسان واستقراره عبر تاريخه الطويل، وخصوصاً في ظلّ حياة الفوضى وسياسة الغاب التي عاشها، وقد حكمت العديد من مفاصل حياته قبل أن ينظّمها، ويخلق لها طابعاً عاماً، وفق سلطة القانون الذي حدده المجتمع.
في النهاية، سأذكر لكم زبدة ما سبق في بضع كلمات، تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وكان قد خطّها على شاهدة قبره، وقبل مماته، الشاعر السوري «ميلياغر» ابن «يوقراطيس» ابن مدينة «جدارا» المحدّدة اليوم بمدينة «أم قيس» في الأردن، والذي نادى بالتآخي والإنسانيّة، وعرَّف عن نفسه بأنه الإنسان الكونيّ «كوسموبوليت» عبر قوله، وفي كلماتٍ عبّرت عن التحية التي كانت منتشرة في سورية في تلك الفترة:
«امضِي بصمتٍ أيها الغريب …
الرجل العجوز الذي ينام بين الموتى الأتقياء،
وملفوفٌ في كفنه في سباتٍ عميق
هو «ميلياغر» ابن «يوقراطيس»
الذي ربط الجمال والدموع والحب وآلهات الإلهام
مع نعمة السعادة والمرح.
جنة ميلاده كانت في «غادارا» المقدّسة
و»صور» التي ربّته ليكون رجلاً»..
كما أحب كوس التي احتضنت شيخوخته ….
إذا كنت سورياً فقل «شلومو»
إذا كنت إغريقياً فقل «خايريه»
وقل لنفسك المثل..
هوامش :
النص قمت بترجمته للعربية، عن الترجمة الإنكليزية من كتاب المختارات الأدبية اليونانية «الإكليل» النسخة الإنكليزية ترجمة «وليم روجر باتون».
The Greek anthology, Meleager of Gadara , translate W R Paton, Cambridge, Mass, Harvard University Press; London, W. Heinemann . 1916-1918
كوس جزيرة يونانية.
آلهات الإلهام Muses هنّ ربّات الإلهام في جميع الفنون الإبداعية، كالتأليف الشعريّ والموسيقي، وكتابة النصوص الأدبية والرسم وغيره.
يجب ألا يخلط القارئ، بين السلام العبري شالوم، والسلام السرياني شلومو..
التاريخ: الثلاثاء 24- 8- 2020
رقم العدد: 1060