الثورة اون لاين – سلام الفاضل :
تتطور اللغة الحيّة باستمرار، فتولِّد كل يوم كلمات جديدة لم يعرفها قديمها، أو تسبغ على كلماتها القديمة دلالات جديدة لم تكن لها، أو تبتكر عبارات مُحدثة تركيباً ودلالة مما يُكسبها صفة الغنى والمعاصرة.
واللغة – عامة – نصوص متتابعة من العبارات وفق منظومة خاصة بها، منسوقة في جمل أو تراكيب، وتستمد هذه العبارات معانيها من مجموع معاني مفرداتها المعجمية وتراكيبها في سياق أو مقام معين. ولكن ثمة عبارات مستجدَّة لا تستمد معانيها من معاني مفرداتها المعجمية، لأنها اكتسبت معاني لا تُسعف بها المعاجم اللغوية.
وكثير من العبارات المستجدة والمستحدثة هي عبارات مجازية خرجت عن معناها الحقيقي القريب إلى معنى مجازي بعيد، وقد لا يُفهم مدلولها المراد إلا بتصنيفها في معاجم لغوية متخصصة. واللغة العربية هي لغة حيّة، وليست بمعزل عن التطور الذي يصيب اللغات الحيّة عادة، فالعبارات الاصطلاحية فيها باتت اليوم إلى كثرة تدفع إليها ضرورات التجديد اللغوي، للنهوض بحاجات التعبير والتواصل المعاصر، وللوفاء بمتطلبات الترجمة من اللغات الأخرى التي تتوالد فيها هذه العبارات، ولا سيما في حقول السياسة، والإعلام، والاقتصاد، والاجتماع….، وعليه فقد اقتضى جمع هذه العبارات ووضعها في معجم لغوي خاص، ليسهل الوصول إليها، وإلى معانيها الدقيقة ما أمكن، كي لا تقع الفوضى في دلالاتها، كما وقعت في دلالات المصطلح العربي.
وانطلاقاً من هنا فقد صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب (معجم العبارات الاصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة ثلاثي اللغات: عربي – إنكليزي – فرنسي)، وهو من تأليف أعضاء مجمع اللغة العربية: د. ممدوح خسارة، د. لُبانة مشوّح، د. مروان المحاسني. وقد امتاز هذا المعجم عن المعاجم الأخرى التي سبقته بأنه معجم ثلاثي اللغات (عربي – إنكليزي – فرنسي)، إضافة إلى سِعته فقد تجاوز ما سبقه من حيث المحتوى، إذ تضمن أربعة آلاف وأربعمئة وأربعاً وثلاثين عبارة اصطلاحية عربية جاءت في ٧٢٨ صفحة، ذكرها مؤلفو المعجم، ثم مثّلوا لها ضمن جمل متداولة لما لمعاني العبارات الاصطلاحية من صلة وثيقة بالسياق الذي وردت فيه.
أغراض المعجم:
أوضح مؤلفو المعجم في مقدمتهم بأن عملهم هذا يأتي: “في إطار الجهود التي تُبذل لتنمية اللغة العربية وإغنائها وتطويرها، لتصبح لغة معاصرة تواكب اللغات المتقدمة دلالةً ومعجمية”. وقد حاولوا عبره سدّ فجوة واسعة في المعجمية العربية لأن اللغة العربية تفتقر إلى هذا النوع من المعاجم المتخصصة لزمنها هذا، كما عمدوا إلى الإسهام في تأريخ اللغة العربية وذلك من خلال تثبيت كلمات هذه اللغة وتراكيبها وتعبيراتها في زمنها وتقييدها وتدوينها. إلى جانب تجسيد مقولة التطور الدلالي للكلمات المفردة العربية، وكذا للتراكيب المستحدثة، والتواصل الثقافي مع الحضارات المعاصرة ولغاتها، وخاصة مع ملاحظة أن كثيراً من العبارات الاصطلاحية في عربيتنا المعاصرة هي ترجمة لعبارات من لغات أجنبية، وهي – أي تلك العبارات – مجازية واصطلاحية في لغاتها أيضاً، وقد وضعتها تلك اللغات في معاجم مرجعية لها. إلى جانب رغبتهم الإسهام في وضع معجم عربي تاريخي تُجمع فيه العبارات الاصطلاحية التي بلغت من الشيوع درجة عالية، بحيث بات لا بدّ من إدخالها المعجم الحديث لتكون مكوناً من مكونات المعجم التاريخي العتيد.
المنهجية المتبعة في المعجم:
عمد مؤلفو المعجم إلى جمع العبارات الاصطلاحية التي تمثّل جسم العمل المعجمي ومادته، معتمدين في ذلك على تتبع العبارات الاصطلاحية من منابعها، وهي: لغة الإعلام وما تفرزه يومياً من عبارات وليدة جديدة – ما جاء في معاجم العبارات الاصطلاحية السابقة مما لا يتعارض ومنهج العمل المُرتضى – المتلازمات اللفظية في العربية التراثية – العبارات المسكوكة في العربية – الأمثال العربية القديمة – العبارات الشعبية العامة المتداولة، ثم أرفقوا العبارة الاصطلاحية بمقابلاتها الإنكليزية والفرنسية معتمدين في ذلك على معاجم اللغات الأجنبية المتخصصة، وعلى رصد ما يقابلها في الكتب المرجعية وفي لغة التواصل والإعلام. كما ذكروا المعنى المعجمي لكلمتي العبارة الاصطلاحية وكلماتها، حيث رمزوا بالحرفين (م.ع) للدلالة على المعنى اللغوي المتوارث للكلمة لتبيان الصلة ما بين الدلالة المعجمية القديمة للعبارة، والدلالة المجازية المستجدة لها، إضافة إلى استخلاصهم المعنى الاصطلاحي للعبارة، وهو جوهر هذا العمل المعجمي، حيث رمزوا إليه بالحرفين (م.ص)، مراعين في استخلاصه جملة من الأمور، منها: الحيادية والموضوعية ما أمكن في صوغ المعنى الاصطلاحي، ولا سيما العبارات ذات الطابع السياسي والعقائدي، إضافة إلى إثبات المعاني الاصطلاحية للعبارة الاصطلاحية ولو تعددت، وذكر العبارة الاصطلاحية وشرح معناها الذي كان لها قديماً وإن لم يكن لها دلالة تميزها كثيراً من المعنى المعجمي وذلك لأنها قد تحتاج اليوم إلى التبيان والإيضاح وسوى ذلك من الأمور.