افتتاحية الثورة بقلم رئيس التحرير علي نصر الله
ازدحامُ العناوين المطروحة على الساحتين الدولية والإقليمية ربما لم يبلغ مرّة ما وصل إليه من تَعقيدات ومَخاطر تبدو في حالة غليان غير مسبوق تَعكس في مضامينها ومفاعيلها أزمات في كل الاتجاهات، ليس لطرف دون غيره، بل لجميع الأطراف وفي المُقدمة منها الولايات المتحدة، والكيان الإسرائيلي أُسّ المشكلة في المنطقة وأصل التهديد فيها الذي يُهدد بدوره الأمن والاستقرار العالميين.
“إسرائيل” قد يبدو أنها بعيدة عن أفغانستان وتطوراتها، وربما لا يَجد المُراقب علاقة لها بما يجري فيها وفي كثير من الملفات الدولية التي تعبث بها واشنطن، من أوكرانيا إلى بحر الصين، ومن أستراليا إلى فنزويلا ومحيطها، غير أنّ ما يَتسرب من التقارير الإسرائيلية الاستخبارية وغير الاستخبارية – ما يُسمح بتسريبه فقط – يُؤكد على نحو يَقيني أنها تعبث يداً بيد مع واشنطن بهذه الملفات، وهي في صُلبها، بل هي مُحرك أساسي في بعضها وأكبر مُحرض في بعضها الآخر.
الأسابيع الماضية، وعلى وجه التحديد تلك التي أَعقبت تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأخيرة برئاسة نفتالي بينيت كَشفت عن الكثير من التفاصيل المُتعلقة بسلسلة الأزمات التي تَضرب كيان العدو والبيت الأبيض، في العلاقة العميقة بينهما، وفي حجم التورط الثنائي بالكثير من الملفات، فضلاً عن أنها الأسابيع التي كَشفت أيضاً الكثير من الأحداث المُرتبطة والمُترابطة مع العديد من التطورات التي تَزداد سخونة بحكم أنها نَشأت من حسابات ثُنائية خاطئة ومُتضاربة في بعض الأحيان.
الزيارات المُتبادلة على المُستويات المُختلفة بينيت – بايدن، الوزراء والسفراء وأجهزة الاستخبارات والجنرالات، ليست بروتوكولية إعلامية تَبحث في شكل العلاقة وعن التقاط صور فقط، إنما لها عناوين ومَوضوعات اقتَضت التطورات بحثها للخروج بخطط مُشتركة تَمنع الانهيارات الحاصلة وتُطوق أزماتهما ناهيك عن مُحاولة التوفيق بين الرؤى السياسية والعسكرية للتخفيف من التَّباينات ولمُحاكاة الظروف بلغة مُوحدة لطالما كانت واحدة على الدوام بينهما.
حالة الغليان والازدحام في العناوين والأزمات هي الناتج الطبيعي عن السياسات الرَّعناء الصهيو أميركية، ولا تَعكس في الواقع سوى أمرين اثنين: أولهما يَتلخص بتَعاظم مَقادير الوهم المُتعلق بغرور القوّة والطموحات غير المَشروعة الذي قادت باتجاه التَّغول بالاستهدافات المُتعددة التي تَرتد على أصحابها بهذه الأثناء أزمات سياسية وعَملانية. وأما الثاني فيَتعلق بقوة الأطراف المُستهدفة التي استطاعت أن تُعمق مَآزق الإدارة الصهيو أطلسية بعد أن تَمكنت من إفشال مُخططاتها بتوظيف الإرهاب لخدمة مشاريع السيطرة والاحتلال والنهب والهيمنة.
إنّ حركة نفتالي بينيت – أفيف كوخافي – بيني غانيتس وأفيغدور ليبرمان باتجاه واشنطن وموسكو والقاهرة والعواصم الأوروبية والخليجية من جهة، وبتكثيف النشاط الداخلي من جهة أخرى بالكنيست والأجهزة الأمنية والاستخبارية، إنما هي الحركة الصعبة التي تَختصر كل المَقولات التي ترفع شعارات كُبرى لكنها تُعبر عن تَقلص الخيارات بمُواجهة استحقاقات تَحشر الجانبين الأميركي والصهيوني في زاوية ضيِّقة إذا كانت تُسبب لهما الألمَ الناتج عن الشعور بالعجز، فإنها الزاوية الحادّة المُؤهلة لأن تَضيق بمُؤشراتها يوماً بعد آخر باتجاه الانغلاق على ذاتها مع ما تَحمله من مَخاطر مُضاعفة ستَبقى مَشروطة باحتمالات الذهاب لارتكاب حماقات تُبنى تَقديراتها على مُحاولة وقف التدهور الحاصل أو لإحداث تَغيير بالمُعادلات القائمة.
من تَطورات غزّة وجنين إلى ما آلت إليه حرب السفن والناقلات، من مُحاولات تَشديد العقوبات إلى عودة واشنطن من عَدمها للاتفاق النووي الإيراني، من مُغادرة أفغانستان إلى حَتمية الخروج الأميركي من سورية والعراق، ومن ضَعف الخيارات المُتاحة للتعامل مع موسكو إلى عدم الثقة من أنّ خلقَ الفَوضى في كابول ستَقطع الطريق على الصين، تَبدو واشنطن عالقة – معها إسرائيل والغرب – بالعناوين المُزدحمة المُتكاثرة التي بخروجها عن السيطرة واحدة بعد أخرى تَزيد حالة الغليان وتُهدد بالانفجار ما لم تَعتبر، فتُسلِّم بفشلها هنا وبهزيمتها هناك، ومعها “إسرائيل” وباقي المُلحقات!.