المنظار

 

الملحق الثقافي:زهرة عبد الجليل الكوسى:

ما إن انتهت المهلة المحدّدة لخروج المدنيّين من المعبر المخصّص لهم، حتى بدأ إطلاق النّار الكثيف يهطل علينا، وكأنه ينزل من السّماء، وليس من الجهة المقابلة لنا!!..
تناولتُ المنظار لأتبيّن المكان الذي يتمركز فيه المجرمين الدواعش، إذ كنّا وجهاً لوجه معهم، لا يفصلنا عنهم سوى الطريق الآمن، الذي خرج منه الأهالي، ومساحة واسعة مكشوفة على كلّ الاتجاهات، متاحة للبصرِ بلا عناء، بعد أن احتلّوا منازل تلك المنطقة، وتمترسوا فيها، وإذ بي أرى طفلة تبكي وتصرخ في إثر مَن خرجوا، تنادي على أمّها بخوفٍ ورعب، وهي تحتضن لعبتها بقوّة، مغبّرة الوجه والشّعر …
صرختُ من المفاجأة: تمهلوا، هناك طفلة عالقة تحت وابلِ النيران على الطريق الذي خرج منه الأهالي، يجب إنقاذها !
رفض الشبابُ ندائي، فالأمر متعلّقٌ بقائدِ المجموعة …
اتصلت بالضّابط المسؤول، فأجابني:
– يا سلطان، إن أوقفنا إطلاق النّار لن تستطيع نجدتها، سيقتلك الإرهابيون الدواعش قبل الوصول إليها، فالمنطقة مكشوفة بيننا كما ترى ….
قاطعته قائلاً: لكني سأنقذها …!!.. يجب أن أنقذها..
قال الضابط: دعني أكملُ حديثي.. نعم، سننقذها.. حتماً سننقذها، لكن بعد أن نؤمّن لك غطاءً نارياً من قِبلنا، لحمايتك وحماية الطفلة، فلا خيار لنا غير ذلك، رغم خطورة العملية، فالمساحة الفاصلة بيننا وبينهم كلّها خطر بسبب القنص، والمجازفة مرهونة بلطفِ الله فقط!!!
قلتُ للضابط: حسناً سيدي، ابدأ الآن، وإن استشهدتُ فوصيّتي ابنتي التي لم أرها بعد ولادتها، وهي المولود الأول عندي. !
عندما حانت لحظة المجازفة، انطلقتُ مسرعاً كالسّهم، بطريقةٍ متعرّجة، لا أعرف كيف وصلت للطفلة، وكيف حملتها، وكيف عدتُ بها بالطريقة ذاتها، بسرعة الضوء، وهي تمسك برقبتي باكية، ورصاص الأوغاد يمرّ من فوق رأسي.. أسمع صفيره ولا أبالي، إذ لم يعد مهماً أن نستشهد معاً، المهم ألّا تُقتل هذه الطفلة في معركةٍ، لا يد لها فيها ولا ذنب !.
نجونا بأعجوبةٍ من القنص، وما إن وصلت نقطة القيادة، حتى انهال عليّ الرفاق بالعناق والثناء، وتهنئتي بالسلامة لنجاحي بالمهمة، وهناك من قام بتوثيقِ إنقاذي للطفلة، بالصوت والصورة.
كنت أحمل الطفلة التي لا تزال تبكي.. لكن، ما إن رأت بعض حبّات العنب الذابلة، في صحنٍ على الطاولة، حتى كفّت عن البكاء.. أفلتت مني، وانشغلت بتناوله بطريقةٍ تنمّ عن الجوع.
أحضرتُ لها سندويشة من طعامنا، فتناولتها بنهمٍ ونامت.
بعد تحرير المنطقة من دنسِ إرهاب داعش وإجرامهم، فوجئت بكادرٍ تلفزيوني يريد مقابلتي، للتحدّث عن كيفيّة إنقاذ الطفلة، ودوافعي في هذا العمل البطولي، وفق وصفهم، بعد أن تمّ تسليمها لدار الأيتام، وفق الأصول، ريثما يجدوا أسرتها، لاسيما وأنها لا تعرف إلا اسم أمها، إذ أنها لا تتجاوز من العمر، أكثر من ثلاث سنوات…
رفضتُ المقابلة التلفزيونية رغم إلحاحهم، وذلك لقناعتي أن ما قمته به هو واجبي، ولأن التضحية في سبيل الإنسان، أشبه بالتضحية في سبيلِ الوطن.. ففي الحالتين أنت تدافع عن وجود، وإن استشهدت، يكون ذلك أرقى وأسمى ما تهبه للإنسانيّة، وأعظم ما يجذّرك أكثر بأرضِ الوطن..
ملاحظة: إنها قصة حقيقية حدثت خلال مواجهة الجيش العربي السوري، للمجرمين الدواعش.. وقد حصل البطل سلطان بعدها، على إجازةٍ لمدة أسبوع، مكافأة له على شهامته وبطولته، ومن أجلِ أن يرى طفلته الأولى، المولودة أثناء غيابه…
بعد انتهاء إجازته، تمّ تكليفه بمهمةٍ جديدة في الغوطة، ليشاء القدر أن يستشهد، بانفجارِ لغمٍ أرضي، كان يسعى لتفكيكه، خشية انفجاره برفاقه اللاحقين به..

التاريخ: الثلاثاء5-10-2021

رقم العدد :1066

 

آخر الأخبار
قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان