أن يكون لحركة عدم الانحياز دور مهم في بناء نظام عالمي أكثر ديمقراطية وأمناً، كما تقول معظم أطراف المجتمع الدولي، فهذا أمر مطلوب، ولكن السؤال غير البريء هنا هو: من عرقل هذا الدور على مدى عقود من الزمن؟ ومن الذي وضع العصي في عجلات الحركة، وحاول إعدام دورها على مدى سني الحرب الباردة، وغير الباردة، من ساخنة وطاحنة؟.
الإجابة لا تحتاج إلى كثير عناء لفك شيفرتها، فأميركا هي التي حاولت إلغاء هذا الدور كي تبقى تحكم العالم بلا منافسين ولا محايدين، ولكن كان يفترض بالمجتمع الدولي أن يرسخ هذا الدور لما له من حركة إيجابية في مواجهة الاضطرابات والأزمات المتزايدة التي يشهدها العالم، وفي بناء نظام عالمي أكثر ديمقراطية يسوده التعاون والأمن والاستقرار، وفي بناء عالم متوازن فيه المعسكر الغربي والناتو وفيه المعسكر الشرقي ووارسو كما كان في الماضي وفيه أيضاً الوسط الذي يمثل الحيادية والإيجابية.
أميركا وحلفها، على مدى عقود طويلة من الزمن، غيبت هذا الدور، بل وسعت إلى إعدامه أيام الحرب الباردة، وهي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حاولت تهميش هذا الدور نهائياً لأنها لا تريد رؤية إلا قطبها الأوحد، وقرن “ثورها” الوحيد الذي يغزو ويسرق وينهب ويدمر من دون معارضة أحد في العالم سواء كان معسكراً ضدها أو محايداً كحركة عدم الانحياز.
اليوم تجتمع دول الحركة في العاصمة الصربية بلغراد بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسها، في ظل تغول أميركي على العالم، وفي ظل تغول غربي على المؤسسات الدولية، وسيطرة شبه كاملة على آلية قراراتها وعملها وهيكليتها، وهو ما يتطلب من أعضاء الحركة ودولها الفاعلة إعادة صوغ المشهد ومواجهة التغول الأميركي والغربي، والعودة إلى ميثاق الأمم المتحدة ومبادئها التي قامت عليها وتفعيلها، حتى قبل الحديث عن تفعيل دور “عدم الانحياز” وحجز مكان لها تحت الشمس!.
البقعة الساخنة -بقلم مدير التحرير أحمد حمادة