الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
سورية الموغلة في جذورها عمق الحضارة الإنسانية ، منها بزغ شعاع النور الأول للمعرفة ، وولدت الأبجدية الأولى والنوطة الموسيقية الأولى ، وعلى الرغم من كل ما مر عليها من ويلات عبر التاريخ بقيت بألقها محافظة على الأصالة بأبهى صورها ، واليوم بعد حرب همجية شنت عليها واستمرت لسنوات تبقى شامخة تشع ضياء يملأ الأفق ، ومع كل حراك ثقافي تنويري حضاري تتكرس هذه الفكرة أكثر فأكثر ، ومع انطلاق فعاليات معرض الكتاب السوري تحت شعار (كتابنا .. غدنا) بدا منذ اللحظات الأولى الشغف والتوق إلى القراءة والاستزادة من المعرفة ممن حضروا إلى المعرض عساهم يروون ظمأ تعطشهم لعيش حالة ثقافية يتلقفون من خلالها ما يجذبهم من عناوين الكتب.
شعار المعرض الذي اجتمعت حوله دور النشر المشاركة في المعرض يحمل العديد من الدلالات والرؤى ، فكيف تعاطى معه الناشرون وكيف جسدوه من خلال حضورهم الفاعل في المعرض إن كان عبر الكتب التي يعرضونها أو حسومات الأسعار التي يقدمونها ؟.. تساؤلات توجهنا بها إلى عدد من دور النشر في المعرض والحصيلة عبر السطور التالية :
ـ حرص على المشاركة :
يشارك ضمن المعرض المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، وهو مركز غير ربحي ، حول هذه المشاركة يتحدث أحمد الميس من المركز قائلاً : هناك حرص دائم على المشاركة في معرض مكتبة الأسد للكتاب بأكبر كمية من الكتب قدر الإمكان ، واليوم نتواجد في معرض الكتاب السوري بمجموعة عناوين علمية تضم مختلف الاختصاصات ، ولدينا سنوياً من ستة إلى تسعة إصدارات جديدة ، بحيث نواكب التطور والكتب العالمية المميزة فنشتري حقوق النشر الخاصة بها ونقوم بترجمتها لدى مختصين ، فكتبنا (علمية مترجمة) ومنها كتب (إعداد) ونحافظ على سوية المحتوى العلمي الذي تضمه ، ونسعى من خلال ذلك قدر الامكان للرفع من سوية الطالب العربي بشكل عام ، أما فيما يتعلق بأسعار الكتب فدائماً لدينا حسومات خاصة للطالب تصل لأكثر من 60% ، حتى أن أحدث كتاب تمت طباعته قمنا ببيعه بأقل من تكلفة الطباعة لسهولة الحصول عليه خاصة للطلاب.
ـ أهمية اقتناء كتاب :
تؤكد عبير عقل مديرة دار عقل للنشر أن شعار “كتابنا غدنا” مبدأ يتم تطبيقه ضمن آلية عمل الدار بشكل عام ، وتشير إلى أن الحرب التي شنت على سورية أثرت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي وباتت أولوية الناس الحاجات اليومية قبل الكتاب ، ومن هنا يأتي دور الدار في المجتمع عبر دعم الثقافة ومساعدة المواطن على اقتناء الكتاب ، ورغم أن الدار تشارك في الفعاليات الثقافية والمعارض العربية والدولية إلا أنها تقدم أسعاراً خاصة في سورية بحيث أن سعر مبيع الكتاب قد لا يتعدى سعر التكلفة ، كما يتم منح حسومات عالية في فعاليات معينة كمعارض الكتاب أو بعض المناسبات ، وحول أسعار كتب الدار ضمن معرض الكتاب في مكتبة الأسد تقول : (سعرنا القائم منخفض أصلاً وفي المعرض نقدم أسعاراً مقبولة للكتاب والحسومات أقلها 30% ووصلنا حد 50% بالنسبة لكتب الأطفال تشجيعاً للقراءة) وتشير إلى أن للدار مكتبة إعارة تضم ما يقارب من ألف عنوان في مختلف المجالات حيث تتم إعارة الكتب بأسعار رمزية .
حول الكتب التي تعرضها الدار في المعرض ، تقول : هناك كتب أدب الخيال العلمي والرواية الاجتماعية والرواية التاريخية وأدب المدن والشعر والقصص القصيرة وكتب الأطفال ودراسات وأبحاث ، وقد شهد العام الماضي طباعة بحث هام جداً بعنوان “المسكوكات العربية الاسلامية” للباحث السوري د.خالد كيوان ، كما نعرض كتباً هي التجربة الأولى كتابها ، فقد تبنت الدار الكثير من المؤلفين الذين انطلقوا بتجربتهم الأولى منها ، ومنهم الكاتب كنان حماد بروايته الأولى (الساكنان لا يلتقيان) التي تُصنف بأدب المدن والمدينة الحاضرة في روايته هي دمشق القديمة ، وتم ترشيح الرواية لجائزة عربية ، وهناك الرواية الأولى للكاتبة نبوغ أسعد وجاءت بعنوان (امرأة لا تنكسر) والتي كان لها قبلها تجارب أولية في أدب الطفل . ومن مبدأ أن الدار منفتحة على الإبداع عموماً فقد شهد العام الحالي تعاوناً مع الكاتب المصري صلاح معاطي حيث تمت طباعة ثلاثة أعمال روائية له ، رواية من الخيال العلمي وأخرى تاريخية وثالثة اجتماعية، والروايات الثلاث موجودة في المعرض اليوم.
ـ التنويع والتحفيز :
تشير فاديا عبد الخالق في دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع إلى سعيهم في الدار لإصدار كتب متنوعة ترضي الأذواق المختلفة للقراء ، فمن يحب الروايات المترجمة سيجدها ومن يهوى الكتب العلمية أو التاريخية سيجدها أيضاً ، كما أن التنوع في الإصدارات يمكن أن يشجع القارئ لأن يقتني عدة كتب لأكثر من نوع أدبي أو علمي وبذلك يكون هناك تنوع فكري ، تقول : (يعطي هذا التنوع القارئ القدرة على صقل أفكاره المستقبلية ، وهذا الأمر مرتبط بشعار “كتابنا غدنا” فالكتاب هو وسيلة موثوقة 100% ، فمهما كان هناك من وسائل تواصل اجتماعي وكتب الكترونية فمصداقيتها لا تزيد عن 60% في حين أن الكِتاب هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن نعطيها ثقة كاملة ، والأهم احترام عقل القارئ بألا يتم فرض وجهة نظر معينة عليه ليقوم هو بتكوين وجهة نظره حول ما يقرأ الأمر الذي من شأنه أن يحفز عنده حب الاطلاع أكثر وتنمية المعارف أكثر ، وهذا كله يردف فكرة شعار معرض الكتاب السوري في مكتبة الأسد) .
وحول أسعار الكتب تشير إلى أن كلاً من الناشر والقارئ مظلومان ، فالتكاليف باتت مرتفعة جداً ، تقول : هامش الأرباح لا يتجاوز 25% وهذه النسبة نعطي منها القارئ جزءا من الخصم ، ففي نهاية المعرض قد نحقق أرباحاً بنسبة لا تتجاوز 12% ، والمعادلة اليوم أن تغطي التكاليف دون أن تخسر وبالوقت نفسه أن يكون سعر الكتاب مقبولاً وغير مبالغ فيه ليستطيع القارئ اقتناءه ، فنحافظ على مستوى الأسعار بما يتناسب مع قدرتنا الإنتاجية وتحمل التكاليف وهو أمر صعب ولكننا ملتزمون بأن نقوم به.