وحدَه الوقت يمنحنا قراءة وفهم الأشياء بطريقة مغايرة.
مسافة زمنية فاصلة كانت كفيلة بجعلها تُعيد قراءة كلماته مرّات ومرّات..
الآن تتلقاها بطريقة تختلف عن اللحظة الأولى التي لمحتها بها..
مجرد إيماءة.. أو “تلويحة”.. أو على رأي فيروز “لفتة من بعيد”، قلبت ميزان فكرها..
لابأس إن كانت إشاراته أو تلميحاته افتراضية..
أليست أكثر وسائل التواصل الحالية حضوراً..؟
يخطر لها أن كبار الفلاسفة والكتّاب لو وُجودوا حالياً، لكانوا استثمروا طرق التواصل الحديثة بأكثر من مجرد تبادل كلماتٍ أو أفكار..
لربما كانت تغيّرت مراسلات كل من مارتن هايدغر وحنا أرندت.. وأيضاً هنري ميلر وأناييس نن، وحتى غراميات سارتر مع سيمون دي بوفوار..
ربما كانوا ابتكروا طرائق حب تتماشى مع ما يُحكى حول مشروع مارك زوكربيرغ الأخير..
هل كانت الكثير من أفكارهم تغيّرت..؟
هل كانت اعترافات مارتن هايدغر لطالبته ومحبوبته أرندت اختلفت..؟
في واحدة من رسائله يذكر: “عندما فرضتِ علي الابتعاد عنك، أصبحتِ أقرب مني، وهنا تجلّى لي وجودك”..
وفي اعتراف آخر يقول: “إن إمكانية الانتظار للمحبّ هي أجمل شيء، ذلك أن المحبّ يكون (حضوراً) حاضراً”.
مع مشاريع زوكربيرغ في التواصل، بالمستقبل القريب، لعل قناعات تشبه تلك التي تحدث عنها هايدغر تُنسف..
ومفاهيم مثل: الابتعاد، الوجود، الحضور، الغياب، الانتظار.. ستصبح في ظل الإنترنت ثلاثي الأبعاد، تجليات مغايرة لما هي عليه حالياً.
وبمجرد وضع نظارات (ثري دي)، سيُكسر حاجز “البُعد”..
وسنصبح قادرين بدورنا على جسر هوة المسافات.
على هذا النحو، ستقرأ “تلويحته” على أساس أنها ثلاثية الأبعاد واقعياً..
“تلويحة” صامتة.. لكن صاخبة بالآن عينه.. وهو مكمن جمالها..
باذخة بفرط صمتها.. وثرثرتها..
بعنادها ومطواعيتها..
تحمل الشيء وضده.. وعلى رأي مارتن هايدغر مرة أخرى، مخاطباً حنا: “إننا إنسانان يتحدثان كثيراً، لكنهما يفهمان الصمت كذلك”..
تدرك أن تلويحته الصامتة وربما العابرة.. تُخفي ضجيجاً وصخباً، أكثر من كل الكلمات.
رؤية – لميس علي