تتواصل المعارض الفنية الجماعية والفردية، في المراكز الثقافية، رغم كل الصعوبات، ما يعني أن الفن أقوى من كل المعوقات، وهو يطرح في كل الظروف، جماليات التصدي لجحيم ومرارة الواقع، وفواجعه المعلنة والمؤجلة.
وفي تأملاتنا لأعمال الشبان والشابات يجب أن نميز بين نوعين من العارضين، النوع الأول هو الذي يمتلك هواجس التمرد على الفنون التقليدية، ويؤكد مسألة انفتاح التجارب الشابة على الحرية، وعلى ثقافة فنون العصر، في اللوحة والمنحوتة والمحفورة. فالفن لم يوجد، لتزيين الصالونات والحجرات فقط، وإنما وجد أيضاً لإثارة التساؤلات، لأن التشكيل البصري الحديث، يتجاوز إطار المطروح والمألوف والجاهز، ويدخلنا في جوهر الحالة الرمزية للتكوين التعبيري والتجريدي وكل الاتجاهات الفنية الحديثة والمعاصرة، المرتبطة بإيقاعية التشكيل العفوي والتلقائي. والسؤال الذي يطرح نفسه في كل معرض، يتركز أيضاً حول مدى تفاعل الفنون التعبيرية الشابة في خطوات انفتاحها على عوالم الحركة والمساحة مع التراث الشرقي والعربي، ومدى القدرة على تجاوز الصيغ التراثية الجاهزة، وتقديمها برؤية حديثة وخاصة لإيجاد العناصر الإيحائية المتفاعلة مع الجمالية الشرقية القديمة، وبالتالي المعبرة عن ذاكرة الماضي الحضاري، عبر الاختصارات والمعالجات الاختزالية، التي تجعل الأشكال أكثر حيوية وأكثر طراوة وأكثر غنائية وحيوية وحركة.
هكذا تنفتح التجارب الشابة الجادة في المعارض والملتقيات، على احتمالات تعبيرية متجددة, كونها لا تقدم لوحة أو منحوتة برؤية تقليدية، وإنما تختصر وتحقق العفوية والتلقائية، وكل ذلك بحيوية منسابة ترتبط أكثر فأكثر بتطلعات الحداثة وجماليات فنون العصر.
وهذا يساهم في تدعيم وتعزيز التقنيات وثقافة الموضوع، ويعمل على إشاعة الاهتمام بالقيم الجمالية المحورة بلمسات تعبيرية. ولاسيما حين يصل العارض بالشكل أو بالموضوع المطروح، إلى أقصى حدود التحوير والتحريف القادم من عوالم القلق والاضطراب والمآسي، مؤكداً أن الفن غير منفصل عن الواقع الحياتي بتحولاته المبهجة والمضطربة.
رؤية -أديب مخزوم