“إن أفضلَ لحظةٍ للتعارف في رأيي هي اللحظة التي تسبقُ الفراق…”
“لَيتَني أستطيع أن أُسافر عَلى الفور، أن أُبُعَث بَعثاً جَديداً، أن أحيا حياة جَديدة…”
وحكم لا نفرغ منها، ترافقنا كلما فتحنا تلك المجلدات التي تركها لنا فيودور دوستويفسكي (1821 ـ 1881)..
الكاتب الذي ولد في شهر تشرين الثاني، قبل مئتي عام، لايزال أدبه مفتوحاً على كل الاحتمالات المعاصرة، ورواياته التي تجاوز بعضها ألفي صفحة مثل رواية الإخوة كرامازوف، لاتزال قادرة على تحديث ذهنيتنا، وجعلنا نغوص في رحلة داخل أعماق النفس البشرية، نتقلب مع الصراع النفسي للشخصيات..التي عاشت خلال حقبة مضطربة، وعبرت بدقة عن أفكاره الفلسفية والدينية والنفسية.
في روايته “الجريمة والعقاب” ورغم أنني قرأتها منذ زمن، إلا أنني مازلت أتذكر شخصية راسكولينكوف الذي ترتكز عليها الرواية بأكملها…الرواية التي تدور أحداثها عام 1866م …تقدم لنا جريمة بفلسفة عميقة تغوص في النفس البشرية لتحلل تناقضاتها من خلال البطل الشاب الذي يقتل سيدة عجوز ليحل مشكلته المالية، لنعيش معه في مونولوجات خاصة عن الدواخل النفسية لراسكولينكوف؛ لتبدأ رحلته مع العقاب…
في رواية الأبله، يقودنا الأمير ميشكين، أو الأبله نحو رواية فلسفية، صنفت على أنها من أهم الروايات الأوروبية على الإطلاق، وصنفتها مكتبة بوكلوبن العالمية، ضمن أفضل 100 كتاب أدبي على مدار التاريخ…
الحديث عن إبداعات الأديب الروسي الخالد دوستوفسكي لا تنتهي…
ونحن نقترب من وداع العام الحالي نودع أيضاً عام دوستوفسكي الذي أعلنته منظمة اليونسكو بمناسبة حلول المئوية الثانية لميلاد الكاتب الكبير، سنودع عام الاحتفالات به…ولكن مرورنا إليه…ألا يفتح المجال لتساؤلات لا تنتهي…
ونحن نغوص في هذا الكم من التشهير بإبداع يغيب…والاحتفاء بتسطيح نتحين الفرص لدعوته لإقامة طويلة الأمد معنا…!
ألا تشبه مقارعتنا لكل ما نعيشه اليوم من تجويف للمعنى ما فعله دوستوفسكي حين جعل شخصياته تصارع مصيرها، وظروفها القاسية في محاولة منها للنجاة…آملين ألا نعيش ما عاشته بعض الشخصيات من عجز أمام مصيرها..!
رؤية – سعاد زاهر