الثورة – أديب مخزوم:
مرت الذكرى السنوية الخمسون لرحيل الفنان وليد عزت، أحد رواد الرسم بالألوان المائية، في حركتنا الفنية التشكيلية السورية (رحل وهو في أوج العطاء والشهرة بنهاية عام 1971)، ولقد تميزت لوحاته بنفحتها اللونية الحاملة زهوة النور والضوء، والمعبّرة عن موضوع الارتباط بالعمارة المحلية القديمة (في دمشق وطرطوس وصافيتا ومدن سورية أخرى). كما جسد بعض مظاهر الحياة التقليدية في الريف والمدينة. إضافة إلى تجسيده لسلسلة لوحات بانورامية تناولت حكايات أسطورة جلجامش في خطوات دمج الواقع الحياتي الراهن بالتاريخ الحضاري القديم.
وفي مرحلة سابقة توقفنا طويلاً أمام المجموعة التي اختيرت لمعرضه الاستعادي في صالة «آرت هاوس» في دمشق، والذي ترافق مع إطلاق كتاب عن مسيرته الفنية والحياتية بطبعة أنيقة وفاخرة وبالألوان (من القطع الكبير، الورق مصقول، وفيه نص للناقد الراحل عبد العزيز علون، وآخر للفنان والناقد الراحل غازي الخالدي، إضافة إلى بعض الحوارات التي أجريت مع الفنان الراحل، ونشرت في بعض المجلات والصحف السورية، كما نشر نص للناقد الراحل طارق الشريف عن لوحاته البانورامية العديدة التي تناول من خلالها ملحمة جلجامش).
هكذا أعطى الكتاب الذي أصدرته أسرته عام 2007 وترافق مع معرضه الاستعادي، فكرة واضحة عن الأسلوب، الذي اتبعه في صياغة المشاهد المحلية بما فيها من عناصر إنسانية وحيوانية وطبيعية ومعمارية وتاريخية، وهو يشكل امتداداً للكتاب الذي صدر عام 1973 عن حياته وأعماله.
واللوحات التي اختيرت للكتابين أبرزت قدرته في تجسيد إيقاعات أنوار وأضواء وشفافية ألوان الطبيعة والمشاهد المعمارية والإنسانية. وهذه النورانية تتلاقى في نهاية المطاف مع منطلقات فنه، الذي كان يستفيد من بياض الورقة أو من خلفية اللوحة الخام، ولقد كان يعارض في أحيان كثيرة فكرة الرسم داخل المحترف، ويرسم في الهواء الطلق، ليرصد حالات الإضاءة المتبدلة على العناصر المرسومة تحت ضوء الشمس الساطعة. غير أن الحوار اللوني يتداخل ويتدرج في لوحاته بين الارتكاز على قواعد الانطباعية، وبين الالتحاق بحالة وجدانية منفلتة من أي قيد، إلا التقيد بضرورات العمل الفني، الذي يعني في النهاية المحافظة على نقاط الارتكاز في التشكيل والتلوين معاً.
فهو لم يكن يروي أو يصف أو يقدم لوحة تقليدية، بل كان يتخطى ذلك إلى توجيه الصورة المشهدية وحرفها في اتجاه التشكيل العاشق لزهور النور، وكان يحدد الأشكال والعناصر بخطوط حبرية رفيعة أبرزت المزيد من الحساسية في تقديم لوحات تشكيلية حديثة ومعاصرة.
وتظهر تنويعات المناظر الطبيعية وشاعرية ألوانها في لوحات العمارة والأوابد الحضارية والطبيعة، بما فيها من جبال وأشجار ونبات وأنهار وغيوم وأغصان متمايلة أحياناً مع حركة الرياح المشحونة بعاصفة جوية، وصولاً إلى لوحات البورتريه والصيادين في أرواد. فالمنظر الطبيعي يتدرج من ناحية رصد المناخ بين النورانية الحاضنة تألق إشعاع اللون وتوهج النور في المشاهد المنتشية بفرح الزهور والخضرة الربيعية.
وتجاربه الرائدة مع تقنية الألوان المائية ساهمت في تصعيد ميزة الشاعرية، وإضفاء المزيد من الاختصار والحركات الخطية السريعة، في خطوات الوصول إلى حالة توفيقية بين معطيات الواقع وتداعيات المخيلة الفنية، فاللوحات التي قدمها أتخذت شكل العمل الفني الباحث عن خصوصية أسلوبية، ولقد اعتمد على الاختصار، والرسم أحياناً بتدرجات اللون الواحد ليؤكد مظاهر الروح الاختبارية المتحررة الباحثة عن مناخ جديد، وذلك باستخدام تقنية “الرمادي وتدرجاته” بشكل تلقائي وعفوي وشاعري.
يذكر أن وليد عزت من مواليد دمشق عام 1934، درس التصوير الزيتي والمائي والرسم بقلم الرصاص والحفر في مركز الفنون التشكيلية في دمشق، ما بين عامي 1963 و1967 وأقام أربعة معارض منفردة في دمشق، ولقد كرمته الجهات المعنية بإطلاق اسمه على مركز الفنون التطبيقية في دمشق، وله مجموعة واسعة من اللوحات المائية، التي جسد من خلالها أساطير سومر وملحمة جلجامش في دلالاتها الرمزية المعبّرة عن رغبة استمرارية الحياة وحب الخلود.