الثورة – حسين صقر:
لا يخفى على أحد أن فوائد جمة حققها المجتمع من وسائل التواصل التي حولت الأخير إلى مجتمع رقمي بكل ما للكلمة من معنى، حيث قربت البعيد وحولت كما يقال العالم إلى قرية صغيرة.
لكن رغم كل ذلك التطور المعرفي الرقمي الإلكتروني، لا بد من محافظة تلك القرية على بعض الخصوصيات، إذ لم نقل كلها، وذلك مسؤولية أي فرد فيها، لأنه إن انتشرت تلك الخصوصيات وانفضحت أضحت على مناشر الغسيل، وإن بقيت خزينة فقد شابهت الدر.
فمع انتشار تطبيقات التواصل، ولا سيما “الواتساب” و”الفيس بوك” و”الأنستغرام” و”التوتير”وغيرها، فقد انفلت بعض أبناء المجتمع من عقالهم متناسين القيم والمبادئ التي تحكم المجتمع، وأن هناك بعض الحرمات لا يمكن اختراقها أو تجاوزها، فهي في الظاهر تبدو بسيطة، لكن في حقيقة الأمر تعني الكثير، وتحمل في ثناياها رسائل وانطباعات عن ناشرها، وتعطي صورة كاملة عن البيئة التي يعيش فيها، ثم أولاً بأول تفضح أصحابها، لأنهم لا يعيشون في مجتمع افتراضي كما يظنون، بل هناك من يعرفهم عن كثب، وتربطه معهم علاقات اجتماعية ومادية وعمل، وصلات قربى ونسب وما هنالك من تلك العلاقات التي لا تنتهي.
ولنبدأ من أواخر أيام السنة الفائتة والتي انقضت بسلبياتها وإيجابياتها، ودخلنا بعدها عاماً آخر، رجا كل منا بداخله بأن تكون أيامه القادمة كلها خير ومودة، متناسين فيها الأوجاع والآلام والأحزان.
لكن كل ذلك لا يفيد في ظل وجود أشخاص يذكرونك بكل لحظة عرفتهم فيها، وأدركت كرمهم وبخلهم، وضعفهم وقوتهم، وحبهم وكرههم، وتعرف تفاصيل حياتهم، ليأتوا في لحظة وينبهونك إلى وجوههم الحقيقية، لنتساءل بدورنا، ماذا يحقق هؤلاء إذا نشروا على صفحاتهم وحالاتهم سهراتهم وأنواع الطعام والشراب الذي زين موائدهم سواء في منازلهم، أم في الأماكن العامة والمطاعم، في الوقت الذي يبخلون به على من لهم أفضال كثيرة على رؤوسهم، ولو عاشوا أعماراً كثيرة لما استطاعوا سداد ديونهم المادية والمعنوية نحوهم، وأخص في ذلك الأب والأم الذين يستكثرون بهم الألف ليرة، وفي جلسات لهوهم يبذرون عشرات الآلاف.
لم يتوقف الأمر عند نشر ما لذّ وطاب، في الوقت الذي لا تجد فيه بعض الأسر ما يسد رمقها من بعض الأكلات التي تسترها المعونات والجمعيات الخيرية، فضلاً عن قيام البعض ببث حي ومباشر عن المناسبات كالزواج والطلاق والحمل ونوع الجنس، والولادة والتخرج والمبالغة بتفاصيل تلك المناسبات، إلى حد يقارب ويجانب الحياء، إذ لم يترك هذا البعض سراً إلا وفضحوه على مناشر الغسيل الإلكتروني.
كل شيء إذا زاد عن حده بات ضده، إذ يكثر هؤلاء من نشر ليس الصور والفيديوهات وحسب، بل يكثرون من نشر المواعظ والقيم، وهم أبعد ما يكونون عنها.. فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، لذا نتساءل إذا بقي لدى أولئك بعض الضوابط الأخلاقية التي تعيدهم عن أخطائهم، فالرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه.